“لولم تكن هديتي هدية لأهديتها لك!!”

 

د.منى بنت علي الحمود

24 يوليو 2022

الهدية..هي الحاضر اللطيف الذي يكون شاهدا على أفراحنا ومحبتنا وسعاداتنا..هكذا يراها الأغلبية..ولكن كم خيبت الهدية ظننا فيها !!.وتكمن المفارقة بيننا نحن من نسيء الظن بالهدية وبين من يقفون على الشاطئ الآخر حول فكرة نعتقدها مؤداها أن الهدية حتى تكون كذلك لا بد أن تفهم خارج سياق كونها هدية!!..نحن نشعر بحجم المعاناة والمسؤولية التي تلقى على عاتق “المهدي”،إن وافقت مجازا على هذا الاسم، منذ الدقائق الأولى التي يفكر فيها بأنه سيقدم هدية .. سيطوقه الزمان من جانب والمكان من جانب آخر.. وسيذهب كذلك ضحية تفكيره في مدى مناسبة هذا الهدية للآخر! بل وللحدث ذاته!..ماذا لو لم ترق هديتي للآخر ؟!..سؤال يلح بقسوة على الذات في سبيل الآخر ..فتلوذ ظنا منها بذكائها للبحث عن اهتمامات الآخر بل ويصل بها الأمر أن تبحث عن احتياجاته لتقدمها له كهدية !!..وهنا تخلع الهدية رداءها لتكون تحت عباءة العطية أو تلبية الاحتياج!.وهذا تشويه لكينونتها.
الأدهى والأمر ماذا لو راقت هديتي للآخر!! فهل هذا سيكون ملزما لذاتي أن تواصل جهودها لتستمر دهشة الآخر بالهدية مرة تلو أخرى !!.إنه ضرب من الجنون..وهنا يحضرني سؤال مهم كيف لذاتي أن تعرف مدى دهشة الآخر بالهدية إن لم تكن هذه الذات جزءا من مشهد انكشاف الآخر على الهدية!. وهذا يضعنا أمام مفترقين الأول هل من أخلاقيات الهدية بقاء “المهدي” أو لابد أن يغيب عن مشهد الهدية و”المهدى إليه”..والمفترق الآخر هل سيكون حكم الذات على شعور الآخر بالبهجة صادقا في حال اجتمعت الهدية مع “المهدي” و”المهدى إليه” في مشهد الانكشاف على الهدية..بل وأيهما من سيبدأ مندهشا مبتهجا هل الذات أم الآخر !!.ماذا لو بادلني الآخر بابتسامة أو إيماءات أو إيحاءات بالشكر والامتنان على هذه الهدية!.. فهل ستعتبره ذاتي ردا لجميل الهدية بهدية أخرى ولو من نوع آخر..وهنا بلا شك ستوقعنا هذه الهدية في سردية من الأخذ والرد المتبادل !!.لماذا لا تأتي الهدية منكشفة بل وتقام مراسم لانكشافها على الآخر أما بحضور ذاتي أو غيابها عن هذا المشهد .. ماذا لو كان غلاف الهدية أجمل من الهدية ذاتها .. ولماذا بعض الهدايا تأتي حاسرة الوجه مبرزة المفاتن !! ..هل لأنها باهضة فحسب..في خضم كل هذه التساؤلات تصبح الهدية موضوعا وهذا يبعدنا عن الآخر شئنا أم أبينا..
أما عن التهادي بين الفقير والغني فحدث بلاحرج !!.. وأذكر أنه في يوم من الأيام قررت “ساره” البالغة من العمر سبعة أعوام أن تهدي صديقتها “يسمين” مشبك شعر صغير على أن تتم هذه العملية في سرية تامة وتحت حراسة والدة “ساره” حتى لا تراها زميلاتها منعا للإحراج..ولكن هيهات!!. فقد تم مداهمة مشهد الهدية بصديقتهما “ليلى” مع سيل من الخدم والحشم الذين أصبحوا ينهالون من سيارة فارهة راكضين خلف “ليلى”والتي أقبلت تترجى “ساره” أن تعطيها هي الأخرى مشبك شعر هدية!!.. مشهد الهدية هنا جعلني أتيقن من عنصرية الهدية وطبقيتها من الطراز الأول!!..والسؤال هنا أيضا ماذا لو قدمت”ليلى” هدية فهل ستكون بمستوى مشبك الشعر الصغير أم ماذا عسى أن تكون؟!..الهدية للغني مستحقة.. الهدية للفقير عبء فهو سيبذل الكثير من أجل المحافظة على عدم فقدها..هدية الفقير للغني تأتي على خجل قد يجعلها تموت في منتصف الطريق من شدة الحياء !!..هدية الغني للفقير ستربك هويته ولو لبعض الوقت..واستمع لعباراتي هذه وأنت ترى طفلا في حي فقير يرتدي نظارات شمسية تحجبه عن عالمه بأسره وليس عن أشعة الشمس فحسب..وكيف يمشي متباهيا رافعا رأسه للسماء وكأنه سيخرق الأرض طولا !!.
لعلي في خضم السطور القادمة أن أحملك مع الهدية إلى عوالم أخرى..
ماذا لو قررت ذاتي أن تهدي مشاعرها للآخر في يوم ميلاده!..هل هي هدية مناسبة أم لا؟.. وهل ترد هدية المشاعر بمشاعر أخرى..أم من الممكن ردها بهدية من نوع آخر كالنقود مثلا!!.
هل هناك هدية بلا مهدي؟.. وماذا عن هدية الذات للذات!.. ماذا عن الهدية المستحقة بالفوز مثلا! ومن الأولى هنا بالحضور هل هو الذات أم الآخر أم الهدية!..وماذا سيحل بدهشة الانكشاف على الهدية.
هل من الممكن أن تكون الهدية مصدرا للأحزان..بل وتجدايد لمشاعر الألم..ماذا عن الهدية في مشاهد الفراق أو بعد مشهد مؤلم من الضرب أو الاعتداء!.
ماذا عن هدية الشك!..عندما نشك في براءة الهدية كهدية المعلم أو صاحب المصلحة!..
هل يستحق العطر أو الكتاب أن يسمى هدية!.. العطر ذاتك والكتاب فكرك الذاتي أيضا .. فأين أخلاقية الآخرية في مثل هذه الهدايا !.
هل من الممكن أن يغيب عن أذهاننا مشهد الهدية بل الهدية ذاتها..في أحد الأيام أبديت اعجابي ببعض الأواني لدى صديقة لي..ومن المخجل أنها ذكرت لي أن هذه الأواني كانت هدية مني لها !!..كيف غيب النسيان مشهد الهدية..وكيف فرضت ذاتي حضورها على الهدية !!.
ماذا لوأهديت لك هديتي !..
ماذا لوعادت إليك نفس هديتك بمجرد تبادل الأدوار بين الذات والآخر ..
ماذا عن هدية الموقف الآني .. كأن ينزع أحدهم ساعته أو أسورته ليهديها لآخر!!..وهل الدهشة هنا ستكون أكبر منها لوكانت هدية مغلفة!!.
هل من الممكن إهداء العمر؟ .. حينما تقول الفنانة أحلام “لو العمر يهدى ترى أهديته لك، بس لو!”.. وهل إهداء بضع من الدقائق أو الساعات لشخص ما يعتبر من الإهداء للعمر ..
ماذا عن إهداء الحرف والكلمة!!..وهل يفهم الآخر كل ما يهدى إليه كما يريده المهدي تماما !!..وهل يمكننا القول عن الكلمات أنها هدايا مغلفة !..
بالرغم من أن مشهد الهدية هو من أبرز أشكال التفاعل بين الذات والآخر..إلا أنه في مشهد الهدية تسلب الإرادة وتختزل في ذات “المهدي” فقط..فلا الهدية تملك حرية اختيار من تذهب إليه..ولا الآخر “المهدى إليه”يملك حرية أخذها بدون عطاء!!..
عزيزتي الهدية لا تنقمي علي سوء ظني..ولا تتجهمي حزنا فبعد هذه المقاربات أصبح كلا منا يعرف الآخر جيدا..فأنا كشفت عن خدعك وأنت كشفت عن محبتي!!..فقد راقبتك في كل مشهد..وقراءت أفكارك في كل حدث!!..وتابعتك في كل مكان وزمان..ولا يقوى على ذلك إلا المحبين.. فلا تنكفئين على ذاتك عني..وأقبلي علي فأنا آخر ينتظرك في كل حين ويفرح بك طوعا أو كرها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.