مشاكل حواء النفسية، وكيفية مواجهتها

 

د.عزت عبدالعظيم محمد علي

7 أغسطس 2022

حواء هي شريكة آدم ونصفه الحلو في الحياة،وهي أمي وأختي وإبنتي،وهي الجنس اللطيف الذي يملأ علينا الدنيا سعادة وبهجة بشرط أن تكون في مزاجها الحلو.. حواء لها خصوصيات عاطفية ونفسية تميزها عن آدم وكثيراً ماتعاني نفسياً وقد تكون معاناتها أحياناً داخلية لايشعر بها من حولها وقد تنفجر كالبركان الذي يحرق المحيطين بها..مشاكل حواء النفسية الخاصة بها كإمرأة كثيرة ومتنوعة حيث تتقلب لديها مجموعة من الهرمونات وتعيش فترات من التغيرات الفسيولوجية مع تكرار حدوث الدورة الشهرية والتي قد تؤدي لتغيرات نفسية منها مثلاً أعراض التوتر والقلق النفسي في فترة ما قبل الدورة الشهرية أوخلال فترات الحمل وبعد الولادة واحتمالية حدوث بعض الإضطرابات النفسية في فترة النفاس مثل اكتئاب الحمل أو اكتئاب ما بعد الولادة وآخرها مرحلة ما بعد إنقطاع الدورة الشهرية وما قد يصاحبه من حدوث اكتئاب سن اليأس وتكرار هبّات السخونة.
في عالم الطب توجد أبحاث كثيرة اثبتت وجود ارتباط كبير ما بين التغيرات الفسيولوجية للمرأة وتأثيرها على الحالة النفسية والعاطفية والعقلية مثل:الدورة الشهرية،وفترة الحمل وعملية الولادة ودورها في إرتفاع معدلات الضغط العصبي والتأثير النفسي، وحدوث الإكتئاب عند الأم وأحياناً قد يمتد تأثير الحالة النفسية على الأب الذي غالباً ما يتعاطف ويتأثر ويتفاعل مع كثير من التقلبات النفسية لزوجته،ومع البلوغ وحدوث الدورة الشهرية وما يصاحبها من تغيرات هرمونية خلال أيام نزول الدورة بالذات والذي قد يؤدي لحدوث حالة من تعكر المزاج الدوري كل شهر قبل نزول الطمث فيحدث نوع من التوتر والنرفزة وسرعة البكاء والشعور بنوبات صداع وألم بالثدي وكل هذه الأمور غالباً ما تكون خفيفة وعابرة وتزول تماماً خلال بضعة أيام من نزول الدورة ولاتحتاج للعلاج النفسي إلا إذا كانت الأعراض شديدة وتؤثر على استقرارها النفسي، كما توجد مشكلة نفسية معروفة تحدث لكثير من النساء عند بدايات إنقطاع الدورة الشهرية نهائياً وخلال تلك الفترة التي تليها حيث تتأثر بعض النساء نفسياً بطريقة سلبية وتعاني بما يسمى بحالة اكتئاب إنقطاع الطمث والذي يستمر لفترة من الوقت قد تصل لعدة شهور أوربما تستمر الحالة لبضع سنوات–وهذه الحالة لها عدة أسباب لحدوثها أهمها: ضعف قدرة المبايض على إفراز هرمون الإستروجين المسئول عن حدوث الدورة الشهرية وهذا الهرمون هو المسئول عن رفع الحالة المعنوية والمزاجية للمرأة ومع إحساس المرأة أنها قد تقدمت في العمر والذي يؤدي لفقدانها جمال ونضارة الشباب ولهذا قد تصاب بعض النساء بأعراض إكتئابية ولكن ما يميز هذه النوبات هو الشعور الغريب الذي يصاحبها والمتمثل في حدوث نوبات تستغرق دقائق حيث تشعر المرأة فيها بنوبات من الصهد أوالسخونة في الجسم يتبعها تعرق ثم الإحساس بالبرودة–من المعروف أن بعض حالات إكتئاب سن اليأس قد تحتاج للعلاج النفسي الدوائي والسلوكي لتهيئتها لتقبل مرحلة جديدة مهمة في حياتها لها جمال ورونق من نوع آخر ويجب علي كل سيدة في هذا العمر أن تتقبلها وتتعايش معها.
ومن المؤكد ان اضطراب اكتئاب ما بعد الولادة أهم وأخطر الإضطرابات النفسية عند المرأة ولهذا فهو يحتاج للتوضيح أكثر وبالطبع هو مثل كل الإضطرابات النفسية للمرأة التي يتداخل فيها عوامل فسيولوجية من أهمها حدوث تغيرات وتقلبات حادة في مستويات هرمونات الأنوثة في الجسم عند نهاية الحمل وحدوث الولادة وعملية إدرار اللبن مع وجود عوامل اجتماعية نفسية بعد ولادة الطفل من أهمها حدوث بعض التغيير في نمط حياة الأم مع وجود زيادة في حجم العبء والمسئولية على الأم وخوفها من التقصير في حق الطفل الجديد وحق الزوج وباقي الأسرة مما يجعل الام عرضة للإضطرابات النفسيه وأهمها قلة النوم والقلق والإكتئاب وصولاً لحالة ذهان ما بعد الولادة.
في سنة ٢٠٠٠ تم إجراء بحث على فئران تجارب بعضهم كان عنده مشاكل في المستقبلات العصبية في المخ لكي يكتشفوا مدى علاقة هذه المستقبلات بمرض الصرع ولكن خلال هذا البحث اكتشفوا أن الفئران التي كانت تعاني من مشاكل في المستقبلات بعد الولاده كانت تصرفاتها غريبة حيث امتنعوا عن الأكل أوتوقفوا عن إطعام أطفالهم وبعضهم أطعم أطفاله مماجعل العلماء يربطوا هذه الأعراض بأعراض اكتئاب مابعد الولادة،وقد أفادت هذه الأبحاث في تحديد السبب ومعرفة مدى التغيرات في مكان وكمية الناقلات العصبية والتوصل للعلاج المناسب،وقد أكدت هذه الأبحاث عملياً وعلمياً على وجود خلل في وظائف المخ بعد الولادة نتيجة للتغيرات الطارئة في مستوى الهرمونات وارتباطها بحدوث اضطرابات في الناقلات العصبية لمستقبلات المخ وقد يؤدي إلى عدم قدرتها على التكيّف مع ضغط الحمل والولادة عند بعض الأمهات مما يجعلهن أكثر عُرضه للمرض النفسي،وبالطبع توجد عوامل أخرى قد تجعل كثير من الأمهات لديهن استعداد أويكن أكثر عُرضه لحدوث مثل هذه الاضطرابات النفسية سواء كانت عوامل جينية لوكان لديها تاريخ عائلي للمرض النفسي أو أن هذه السيدة كان لديها تاريخ مرضي نفسي أوعوامل بيئية واجتماعية مؤثرة سلباً على استقرارها النفسي مثل وجود مشاكل مادية أوزوجيه أوأن الطفل المولود يعاني من أي مرض أوإعاقه أولعدم توفر إهتمام كافي من المحيطين بالأم وعدم مساعدتها في تحمل مسئولياتها في هذه المرحلة الجديدة من حياتها،ومن المتوقع أن مثل هذه الضغوطات في هذه الظروف وفي هذا التوقيت قد تجعل الأم وحتى الأب في بعض الأحيان،أكثر عُرضة للمرض النفسي والدخول في حالة من الإكتئاب النفسي.
أول وأبسط وأكثر أنواع الاضطرابات النفسية لدى السيدات في فترة مابعد الولادة هو حدوث اكتئاب نفسي خفيف يسمي “عبوس ما بعد الولادة” وهذا النوع يحدث لدى 80٪؜ من الأمهات وأعراضه غالباً ما تكون بسيطة منها مثلاً عدم الإحساس بالفرحة بالمولود الجديد رغم أهميته واحتياجها إليه قبل الحمل يصاحبه بعض التقلبات المزاجية الخفيفة،بكاء، صعوبة في النوم وقلق وقلة شهية للأكل وهذا النوع يحدث بعد الولادة مباشرة وغالباً لايستمر كثيراً ويتحسن المزاج وتختفي حالة الكآبة خلال أسبوعين تقريباً حتى بدون علاج نفسي دوائي ويتم ذلك لواستطاعت الأم التأقلم على الوضع الجديد وقام الناس المحيطين بها بمساعدتها ودعمها وطمئنتها.
النوع الثاني من الإضطرابات النفسية بعد الولادة هو اكتئاب ما بعد الولادة حيث تكون أعراض الحزن والكآبة أكثر وأصعب وغالباً ما يصاحبه إحساس بقلّة الثقة في النفس والشعور بالذنب وتأنيب الضمير للتقصير تجاه الطفل المولود مع انعزالية عن الناس وأفكار سلبية تتعلق بالتفكير في إيذاء النفس أوفي إيذاء الطفل وذلك بسبب شدة خوفها على الطفل ومن تعبها من الأعراض وهذا النوع من الإكتئاب غالباً مايستمر لفترة أطول قد تصل لسنة وهذا النوع يحتاج للعلاج الدوائي مع بعض الجلسات السلوكية المعرفية مع زيادة الدعم المعنوي الأسري.
أما آخر وأصعب الأنواع هو ذهان مابعد الولادة وهو أقل نوع من الإضطرابات النفسية حدوثاً في فترة ما بعد الولادة حيث أن معدل حدوثه يكون بنسبة أم من كل ٥٠٠ أم وقد اكتشف هيبوقراط هذا المرض سنة ٤٠٠ قبل الميلاد ولم يتمكن من فهمه ومنذ بدايات القرن ال 18 الميلادي بدأت محاولات الأطباء في أوروبا لفهم طبيعة وأسباب هذا المرض الذي يصيب بعض الأمهات بعد الولادة وحاولوا الوصول لعلاج له حتى توصلت الأبحاث لتشخيص المرض وإيجاد العلاج المناسب له وخصوصاً مع تطور الطب النفسي في العقود القليلة الأخيرة ولأن هذا النوع من الإضطراب النفسي هو أشد مرض نفسي يصيب السيدات بعد الولادة حيث تبدأ فجأه الأعراض وبسرعة خلال أول أسبوع بعد الولاده فيصبح مزاج الأم سيئ جدا ويتقلب بسرعة مع وجود عصبية وسرعة غضب وحالة تشبه الذهول والإنفصال عن الواقع وأحياناً توجد وساوس غريبة مرتبطة بحياتها الأسرية وحياة المولود وهذه الأفكار المتكررة قد ترفضها الأم وتحاول مقاومتها في البداية – ومن شدة هذه الأفكار أنها تتوهم أنها قد تؤذي طفلها فتبتعد عن المولود وتخاف من أن تضمه في حضنها خوفاً من نفسها عليه مع وجود ضلالات أو أفكار خاطئة تجاه الطفل ولكن الأم مقتنعة بها رغم عدم منطقيتها،ومنها مثلاً أن المولود ملبوس بالجن ومن الممكن أن يضرها وهذا يجعلها عصبية جداً،ومن الممكن أن تتوهم أن المولود ليس طفلها مع عدم قدرتها على النوم مع وجود شكوك وأوهام تجاه المحيطين بها ممايجعلها أكثرعرضة لإيذاء الطفل أوأن تؤذي نفسها وهذه الحالات يجب علاجها بسرعة قبل حدوث مصيبة كبيرة للأم أوالمولود وهذه الإضطرابات الذهانية بعد الولادة غالباً ما تحتاج تلقي العلاج في أحد مصحات الطب النفسي.
خلاصة القول هي أنه يجب علينا أن نعلم ونتأكد أن كل هذه التغيرات النفسية التي قد تصيب أي إمرأة في أي مرحلة من مراحلها الحياتية هي أمراض نفسية فعلاً ذات أسباب بيولوجية فسيولوجية تهيئ المرأة لظهور أي إضطراب نفسي عصابي أوذهاني وقد يحدث مع الدورة الشهرية أوعند الحمل أو بعد الولادة أوربما عند انقطاع الطمث،وبالطبع فإن بعض التغيرات والتقلبات الفسيولوجية في الهرمونات مع وجود بعض العوامل الوراثية المهيئة لحدوث المرض النفسي والتي تتفاعل مع العوامل الإجتماعية والأسرية والضغوط الخارجية،وبالتالي يحدث المرض النفسي الذي يتطلب العلاج –نعم هذه أمراض كأي مرض عضوي وليس مجرد حسد ولاعين ولاسحر قد يصيب أي أمرأة خلال هذه الفترات الحساسة من حياتها وهي خلال أيام الدورة الشهرية أوخلال فترة النفاس أوفترة ما بعد انقطاع الطمث مع التأكيد على أن أي ظهور لأي تغيرات في المزاج اوالتصرفات على غير المعتاد لدى المرأة على وضعها الطبيعي مع قلة نوم وأفكار لم تكن موجودة لديها فإن هذا يعني أن هذه السيدة تعيش حالة اضطراب نفسي وتحتاج للعلاج النفسي المناسب الذي يقرره الطبيب النفسي شخصياً،ويكون العلاج بعمل جلسات نفسية سلوكية فقط لعلاج الحالات البسيطة والمتوسطة وذلك لفترة قصيرة حتى تتمكن من التعامل مع هذه الأمور النفسية المضطربة وإصلاح الخلل في هذه المستجدات النفسية ولكن هناك بعض السيدات قد تحتاج للعلاج الدوائي وخصوصاً بعض حالات الإكتئاب النفسي الشديد أو الإضطراب الذهاني وذلك حتى لايحدث ما لايحمد عقباه مثلما نسمع ونقرأ هذه الأيام من أحدث مفجعة،حيث إن كثيراً من تلك السيدات تحتاج للدعم النفسي من الأهل والزوج والمجتمع وأصبح الإهتمام نفسياً بكل أم بعد الولادة أمراً ضرورياً،كما لاننسى الأب أيضاً لوظهرت عليه أعراض اكتئاب أو قلق بسبب المسئولية الجديدة ولكن الأهم من ذلك يجب علينا أن ننتبه لأي تغيير نفسي قد يحدث عند الزوجة ونحاول مساعدتها في رعاية المولود ونسمعها ونفهم سبب حزنها
وقلقها ومحاولة طمئنتها وتوفير كل سبل الرعاية والراحة من أكل ونوم ولولاحظنا أن التغيرات النفسية كانت شديدة أو أن حالة الحزن والعصبية وقلة الأكل والنوم لازم أصبحت مستمرة أوفي ازدياد يجب نصيحة الأهل بطلب العلاج بأسرع وقت عند أحد الأطباء النفسيين ولاداعي للتكاسل حتى نحافظ على سلامتها وسلامة طفلها وتستعيد استقرارها النفسي وينعم الجميع بالراحة النفسية والعيش في صحة وسلام وأمان.
________
*استشاري الطب النفسي بمستشفيات الحمادي بالرياض
_____
د.عزت عبدالعظيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.