28 سبتمبر 2023
وسام كنعان- دمشق
تدور عقارب الساعة بشكل عكسي، لتتوقف في سبعينات الزمن الماضي، قيما تلتقط الكاميرا مشهداً ملفتاً تدور أحداثه في مكان كان يسمّى آنذاك “مصيف المشاهير” أما الحوار فيمكن قراءته من من حركة الشفاه بين موسيقار مرموق ومرجعي ومغنيّة شابّة يعيد اكتشاف صوتها وهو يستمتع لها رفقة زوجها الوزير!
قد يخطر في بال كلّ من يقرأ ما سبق أنه مجرّد مشهد من فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني لكن الواقع أنه حقيقة جرت في منطقة “بلودان” (ريف دمشق” بين “مطربة الجيل” ميّادة الحناوي (1959) و”موسيقار الأجيال” الراحل محمد عبدالوهاب (1902 ــ 1991). في الفترة التي كانت فيها الشام قبلة للسياحة، ظلّت بلودان تحتّل مكانة عالية من دون أن يعرف غالبية من قصدوها بأنّها سمّيت تاريخياً بـ “مصيف المشاهير”، إلى درجة أنّ عبد الوهاب نفسه حجز طاولة شبه ثابتة في أحد مطاعمها، وبينما كان بصحبة صديقه وزير الداخلية السوري السابق عدنان دبّاغ، زوج ميّادة الحناوي آنذاك، راح الموسيقار المصري يعيد اكتشاف ميادة بعدما كانت في الصغر. استمع لصوتها وأشاد به، بل وقع في غرامه، ثم دعاها لزيارة مصر لاحتراف الفن. لكنّها رفضت لأنّها لم تكن تنوي الخوض في عالم الطرب، على الرغم من أنّها ابنة عائلة فنية رصينة، وشقيقتها فاتن الحنّاوي اشتهرت بأنّها مطربة سورية مقبلة نحو الشهرة. أما شقيقها عثمان الحناوي، فهو باحث موسيقي وذاكرة متّقدة توثّق الزمن الجميل. ساعده في ذلك، أنّه بعد وفاة زوج شقيقته ميّادة، رافقها إلى مصر، حيث أقاما في زمن مزدحم بنجوم يتنافسون على الغناء الأصيل. هناك، جهّز عبد الوهاب لميّادة ألحاناً خاصة، وظلّت على مدار عامين تتحضّر للانطلاقة. وعندما تعاملت لاحقاً مع الموسيقار الراحل محمد الموجي (1923 ــ 1995)، أغضبت صاحب “كلّ ده كان ليه” فسحب منها أغنية “في يوم وليلة” لتذهب إلى وردة الجزائرية (1939 ــ 2012) فتصبح من أشهر وألمع أعمالها. حفلات ميّادة التلفزيونية كانت برفقة “فرقة الفجر” بقيادة المايسترو السوري الراحل أمين الخيّاط (1936 ــ 2023)، فيما حضورها النادر جعل كبار الملحنين في المحروسة يتسابقون للعمل معها، إلى درجة أنّه نُقل عن الموسيقار الراحل رياض السنباطي (1906 ــ 1981) قوله: “يسعدني كما بدأت حياتي مع أم كلثوم أن أنهيها مع ميادة الحناوي”. علماً أنه لحّن لها قصيدته “أشواق” وأغنيتها الخالدة “ساعة زمن”.
ثم تعرّضت وبعض زملائها لهجوم شرس قاده الممثل ونقيب الفنانين السوريين السابق الراحل صباح عبيد. الأخير كان صاحب الجملة الشهيرة: “لو كان بازوليني عضواً في نقابة الفنانين، ولم يدفع ضرائبه والتزاماته المالية، فسأطوي قيده”. جملة ردّدها على إثر حملة شُّنت ضده، لأنه طوى قيد نجوم الفن في سوريا، وعلى رأسهم ميادة الحناوي، وهيثم حقي، وياسر العظمة، وغيرهم. مرّت تلك الموجة عام 2007 بينما كانت صاحبة “نعمة النسيان” تنقطع وتعود من خلال حضور إعلامي متباين، وقد ظهرت بعدها كأنّها خضعت لعملية تجميل، لأنّها فقدت وزناً بسرعة لافتة. وفي عام 2014، حضرت بألبوم تعاونت فيه مع الملحن الجزائري نبلي فاضل، وغنت قصيدة “كردستان موطن الأبطال” (كلمات الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وألحان هلكوت زاهير)، ليأتي بعدها قرار العودة إلى الساحة بجرأة، متكئة على تاريخ شاهق من أجل مواجهة الجمهور على خشبات المسارح وفي الحفلات المباشرة. ولكن ربما كانت النتيجة مخيبة للآمال، أو لنقل إنّها ليست على قدر الطموح!
تعثّرت “مطربة الجيل” على المسرح مرّات عديدة