The Days عن كارثة مفاعل فوكوشيما.. أين نجح اليابانيون وأين أخفقوا؟

2 يوليو 2023
إيمان إبراهيم- بيروت
في العام 2011، وبينما كان اهتمام العالم العربي منصباً على ما يسمى “الربيع العربي” ضرب زلزال مدمر اليابان، تبعه تسونامي، فكارثة نووية لا تقلّ فظاعة عن كارثة تشيرنوبيل، شغلت العالم يومها، إلا عندنا كنا منشغلين بأخبار التظاهرات وتساقط الأنظمة واحداً تلو الآخر، ليأتي اليوم مسلسل The Days الياباني الذي تعرضه “نتفليكس”، ويخبرنا عن تفاصيل الكارثة التي لا تزال البلاد تعيش تداعياتها حتى اليوم.

تبدأ أحداث المسلسل مع الزلزال الذي ضرب اليابان يوم 11 مارس 2011، في بلدٍ اعتاد الزلازل لم يكن ذلك اليوم يوماً عادياً، إذ بلغت درجة الزلزال 8.9 على مقياس ريختر، راح ضحيته يومها أكثر من 15 ألف مواطنٍ ياباني، لم يأت المسلسل على ذكرهم إلا بشكلٍ عرضي.
لم يكد اليابانيون يستيقظون من هول الصّدمة حتى داهمهم تسونامي، أغرق محطة المفاعل النووي في فوكوشيما، وعطّل مولّدات الكهرباء، حصلت مشكلة في تبريد المفاعل، فزاد النشاط الإشعاعي وأعلنت حالة طوارىء في اليابان.
8 حلقات غرق المسلسل فيها بأمورٍ تقنية وغاب عن الجانب الإنساني، مسلسل يكفيك أن تشاهد حلقته الأولى والثامنة لتفهم ماذا جرى في فوكوشيما ذلك اليوم.
أراد القيّمون على العمل الإضاءة على العمل الجبّار الذي قام به موظّفو المفاعل، وجميع الهيئات الحكوميّة في اليابان، دخل في أمورٍ تقنيّة بحتة، بعضها بدا مثيراً للاهتمام، وبعضها بدا ضاغطاً ثقيلاً.

غرقت أجزاء من اليابان في الظلام الحالك، فطُلب من موظّفي المفاعل التبرّع ببطاريات سياراتهم لتشغيل المولدات وتبريد المفاعل، كثيرون رفضوا التخلّي عن الوسيلة الوحيدة للنقل التي تضمن ابتعادهم عن خطر الإشعاعات، وكثيرون ضحّوا.
بين ضخّ المياه المالحة من البحر، وتنفيس المفاعلات، أمورٌ كانت اليابان تختبرها للمرّة الأولى، فرش موظّفو المحطة أمامهم كتباً ومراجع، لم تذكر شيئاً عن الموقف الذي وُضعوا أمامه وكان عليهم الابتكار والتجريب، والاستعداد لأسوأ الاحتمالات.
قام موظفون بكتابة رسائل وداع لأسرهم، وبعضهم تبرّع بنفسه للمساعدة، يظهر المسلسل تكافل اليابانيين على كافة المستويات للخروج بأقلّ الأضرار.
لم تغب كارثة تشيرنوبيل عن أحداث فوكوشيما، حاول موظفو المفاعل الاستفادة من التجربة السوفييتية، رغم أنّ الظروف مختلفة، ففي الكارثة الأولى تمّ تحميل الكارثة إلى أخطاء بشريّة، بينما الطبيعة هي التي غلبت اليابان، ووضعتها أمام موقف صعب القرار فيه مغامرة غير محسوبة العواقب.

يضيء المسلسل على العلاقات الأميركيّة اليابانية، رغم أنّ أحداثه بالكامل تجري داخل بناية العزل الزلزالي ومفاعل فوكوشيما ومقر رئاسة الوزراء، إلا أنّه أفرد أكثر من مشهد ليضيء على إجلاء الولايات المتّحدة الأميركيّة لرعاياها من اليابان، الأمر الذي أغضب السلطات اليابانية التي رأت أنّه سيعزّز المخاوف ويظهر البلاد بصورة العاجز.
يسلط المسلسل الضوء أيضاً على التدخلات الأميركية، حين عرضت الولايات المتّحدة أن يحضر مندوبون عنها الاجتماعات الخاصة بالمفاعل، كما أرسلوا خبراء نوويين للمساعدة.
لم تنتهِ مأساة فوكوشيما بعد، إذ أنّ الحطام الذي تسبّب به الإشعاع النووي وتسرّب الوقود يلزمه 4 عقود للتخلّص منه، كما أنّ المنطقة ستبقى حتى فترة طويلة غير صالحة للسكن.
يصوّر المسلسل في نهايته المنطقة خالية من سكانها، المنازل مهجورة، والحيوانات وحدها تسرح في المنطقة. حين يغيب البشر، يعمّ السّلام حتى بوجود إشعاع نووي.

غياب الجانب الإنساني
خلال 8 حلقات، بدا المسلسل أشبه بعملٍ وثائقي علمي بحت، لم يخبرنا كيف كان الناس في الخارج يتفاعلون مع تسرّب الإشعاعات النووية، ولا كيف تعاملت السلطات اليابانية مع آلاف الجثث التي خلّفها الزلزال بالتزامن مع عملها على احتواء كارثة المفاعل.
كان ثمّة إضاءة موجزة على تعاطي الإعلام الياباني مع الحدث، كنّا نشعر بفضول لمعرفة كيف تفاعلت وسائل إعلام عالمية يومها مع كارثة اليابان، كيف تصرّفت الدّول حيال الكارثة العالميّة، هل تمّ التواصل مع مسؤولين عايشوا كارثة تشيرنوبيل للاستفادة من تجربتهم؟ كلّها أمورٌ غُيّبت عن العمل رغم أنّها كانت تفاصيل مثيرة للاهتمام أكثر من تفاصيل أغرقت حلقات بكاملها حول مدّ أنابيب لضخّ المياه إلى المفاعل.
الموسيقى التصويرية غابت بشكلٍ شبه كامل عن المشاهد، فسادت لحظات صمتٍ طويلة، تجعلك تنتبه إلى أهمية هذا العنصر في الأعمال الفنيّة.. بدون موسيقى تصويريّة يسود صمتٌ قاتل.
بدورها بدت ردود فعل الممثلين باردة، بعضهم كان أشبه بروبوت بدون مشاعر، والبعض كما لوح الثلج، تتساءل هل هي طبيعة اليابانيين، أم أنّ هذا البلد العملاق رائد التكنولوجيا ليس بارعاً في مجال الدراما والسينما؟

بين تشرنوبيل وفوكوشيما
في العام 2019، أبصر مسلسل “تشرنوبيل” النور من 6 حلقات أنتجتها HBO الأميركية، المسلسل حظي بإشادة النقاد الأميركيين، واستفزّ الرّوس، إذ كان محمّلاً بالرسائل السياسية للإدارة السوفييتية، التي اتهمها العمل بالإخفاق في التعامل مع الكارثة، وفي إخفاء معلومات عن الدّول الجارة، وهو ما اتهمت به اليابان أيضاً لكنّ The Days لم يلقِ الضّوء على هذا الجانب.
ما يميّز “تشيرنوبيل” أنّه مسلسل من لحم ودم، بينما يسير العمل في المفاعل لاحتواء الكارثة، يضيء على عمليّة إجلاء السكّان، معالجة المصابين بالإشعاعات، التداعيات السياسيّة للكارثة، تعاطي السلطات السوفييتية معها، أما المسلسل الياباني فيمرّ على كل هذا مرور الكرام، ويغرق في دهاليز الأمور التقنيّة التي تمّ تسليط الضّوء عليها بحسب القيمين على المسلسل، لتوجيه تحيّة لمن بذلوا التضحيات لإنقاذ اليابان.
رغم ثغراته، وغرقه في تفاصيل مملة، يستحق مسلسل The Days المشاهدة، فبعيداً عن كارثة مفاعل فوكوشيما، يخبرك هذا العمل بطريقة غير مباشرة، أنّ اليابان التي تحوّلت إلى كوكبٍ يحلّق داخل كوكبنا، تعيش على أرضٍ تهتز، تحيط بها الكوارث الطبيعيّة من كلّ حدبٍ وصوب، مجرّدة من الموارد الطبيعية، تعرّضت لقنبلتي إبادة ذريّة، كانت إرادة الإنسان اليابانية صلبة لتطويع كل هذه العقبات وتحويلها إلى قصّة نجاح تخبرك أنّ لا شيء مستحيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.