8 أغسطس 2023
“نص خبر”- إيمان إبراهيم
ماذا لو وقع بين يديك هاتف يحذف أي شخص تلتقط صورةً له؟ لمن كنت ستلتقط صورة؟ وهل هذه جريمة تصنّف ضمن خانة الجرائم؟ أم أنّها جلسة تصوير فحسب؟
مسلسل Delete التايلندي الذي بدأت منصة “نتفليكس” بعرضه يضعنا أمام سؤال أخلاقي، يحرّك فينا النزعة الكامنة، بين الرّغبة في إخفاء أحدهم من الوجود، وصراعنا مع الرّادع الأخلاقي، والخوف من القانون، والهلع من تأنيب الضّمير.
ويضعنا أمام حقيقة أنّ لا أحد منّا لم يملك يوماً تلك الفكرة المثيرة للدهشة، أن يحمل هاتفاً، ويلتقط صورةً فحسب لشخصٍ غير مرغوب فيه. شخص يثير المتاعب، شخص تبدو الحياة بدونه أجمل، مجرد صورة تجعله خارج الصّورة.
لكن إخفاء شخص ليس مجرد كبسة زر، يعطي حامل الهاتف جبروتاً يظنّ أنّه فوق مستوى البشر، يستطيع إعادة تشكيل الصورة بما يتلاءم مع ما يريده، وما يريده أحياناً لا يكون مجرد سلام.
يحصل هذا عندما تذهب “ليلي” إلى السوبرماركت، كانت تظنّ أنّها مجرد واحدة من المرّات التي ندخل فيها متجراً لنشتري غرضاً، بعدها لا تجد الذاكرة ما يستحق أن تحفظه، قبل أن تطلب صبية منها أن تلتقط لها صورة بهاتفها، كانت كافية لتختفي الفتاة ويصبح الهاتف في يد ليلي أداةً لجريمة لم تُرتكب، ووسيلة لإخفاء غير قسري وانتحار دون حاجة إلى حبل مشنقة.
“ليلي” امرأة متزوّجة من رجل أعمال، حياتهما باردة لا حياة فيها، ترتبط بـ”إيم” الكاتب الشهير، هو بدوره مرتبط بفتاة بردت شعلة الحب بينهما منذ أن دخلت على الخط امرأة أخرى. دائرة كلٌ من فيها يريد إخفاء الآخر كي تخلو له السّاحة، لكن من يملك الجرأة؟
تكتشف مع تقدّم الحلقات أنّ الشخص الذي يختفي لا يعود إلا عندما يختفي من أخفاه، تصبح أمام معضلة أنّ حذفك شخصاً من الوجود ليس نهائياً، وأنّ عودته تعني اختفاءك، وأنّ وجودكما معاً بات مستحيلاً، وأنّ هذه الدّائرة إن رسمتها ستتفرّع عنها دوائر في دوّامة لا تنتهي.
يحذف شاب حبيبته لأنها باتت عبءاً على علاقةٍ جديدة، وتحذف فتاة زميلة دراسة لطالما شكّلت مصدر إزعاج لها، يضعنا هذا أمام معضلة التنمّر في المدارس، يحتاج الأمر في مخيلة أحدهم أحياناً إلى التقاط صورةٍ جماعية.
ويحذف زوج عشيق زوجته، رغم خيانتها لم يبتعد عنها، أراد حذف الخيانة من جذورها. ويحذف أبٌ من حذفت ابنته لتعود ابنته إلى الحياة.
سلسلة مرهقة بطلها هاتف واحد، يتنقّل بين الأيدي، يكفي التخلّص منه لتنكسر هذه السلسلة لكن من سيتخلّى عن سلاحٍ كهذا؟
المسلسل جميل، إيقاعه تصاعدي، تظنّ أنّه يسير في دائرة مفرغة عنوانها الهاتف المثير للمتاعب، إلا أنّه يتشعّب إلى قصصٍ منفصلة، مترابطة، تدور في فلك العلاقات الإنسانيّة المرهقة.
الممثلون نتعرّف إليهم للمرّة الأولى، ليست المسلسلات التايلندية وجبة دسمة على “نتفليكس”، لكن Delete يحمّسنا لنشاهد المزيد من الأعمال التايلندية، حيث الأداء جيّد، والإخراج جميل وكل عناصر القصّة متكاملة، نتعرّف فيها إلى وجهٍ جديد من تايلند، بعيداً عن كونه مقصداً للسيّاح بطبيعتها الخلابة.
ثمّة موسمٌ جديدٌ للمسلسل لم تعلن “نتفليكس” عنه بعد، فيه لن يكون الهاتف هو البطل الوحيد، إذ أنّ فصولاً جديداً فُتحت في الحلقة الأخيرة تستحق ربّما أكثر من مجرد موسمٍ ثانٍ.