في مديح سعد “تسجيلات الروّاد” – علي عبدالأمير عجام

د. علي عبدالأمير عجام – العراق

مع إغلاق محل تسجيلات صوت الفن الذي عملت فيه لفترة ما بين صيف 1978 وخريف 1979، أغلقت باب المعرفة على جديد النغم الغربي لاسيما ان ذلك ترافق مع التحاقي بالخدمة العسكرية وبدء مرحلة من الجفاف والكدر الروحي والفكري تزامنت مع العواء البعثي المتعالي حد نهش أي عابر يختلف عن القطيع، وهو ما أصابني بالآم لا حصر لها دفعت لاحقاً أثمانها الباهظة.

في أول إجازة لي بعد أن رماني آمر وحدتي ضخم الجثة الأكول وقبيح الوجه واللسان في أقصى نقطة على الحدود مع إيران في أول شتاء 1979 بعد وصول “ملفي السياسي”، قادتني خطواتي إلى المنصور ودخلت صحبة صديقي ابراهيم الموسوي محل تسجيلات الرواد متسائلاً عن جديد فريق الروك البريطاني بنك فلويد عبر اسطوانة “الجدار” التي باتت حديث أوساط النغم في معظم عواصم العالم.

كان بحثي عن الأسطوانة متأتياً من تطلعي إلى فكرة موسيقية وروحية تعبر بي خارج الجدار الخشن والعالي والمحكم الذي بات يضيق عليّ وعلى جيلي والبلاد كلها، مثلما كان متأثراً برغبتي بمواصلة الاستماع إلى الفريق الذي غيّر مفهومي عن موسيقى الروك وجعلها بيان غضب وحداثة فكرية ناقدة، بعد أن سمعت بانبهار شديد إلى إسطوانتي ” الجانب المظلم من القمر” و”حيوانات”.

أجابني شاب وسيم وبصوت مهذب بإشارة إلى غلاف اسطوانة “الجدار” وهي مرصوفة إلى جانب عدد من الإسطوانات الموسيقية الغربية الحديثة.. ابتسمت برضا وارتياح طالباً من الرجل أن يناولني الأسطوانة، إن سمح، كي أقرأ مضمون أغنياتها قبل اقتنائي الشريط الذي سجلت عليه كذلك أن أتمعن كثيراً في الغلاف المبهر المتصل ببحثي الروحي عن شيء خارج الجدار وهو ما تأكد لي لاحقاً فالاسطوانة ليست مجرد أنغام بل شحنة متدفقة من الغضب والاحتجاج العالي وهو ما كنت شخصياً أحتاج إليه بقوة.

وافق الرجل بلطف شديد على أن يضع غلاف الأسطوانة بين يدي وتحت عيوني لتبدأ معه علاقة لطيفة من الود والاحترام والشغف المشترك، توثّقت بعد فترة حين اقتنيت منه جديد فريق البيجز Living Eyes وعن نهاية فريق آبا السويدي كمجموعة والنظر إلى مجمل مسيرته الغنائية المهمة، وعن الأسطوانتين كتبت مقالتي الأولى والثانية في مجلة “فنون” البغدادية وحملت لسعد عددين من المجلة كنوع من التحية والعرفان وهو ما قابله بمحبة انعكست لاحقاً بقوله: انتظر لك عندي اسطوانة جديدة وصلتني قريباً واعتقد انك ستكتب عنها أيضا. وكانت تلك أسطوانة فريق بنك فلويد الجديدة حينها The Final Cut التي بدت وكأنها تناجيني شخصياً في مسار مضمونها الغاضب من الحرب والمصائر الضائعة للجنود. كتبت عنها بوصفها نتاجاً غنائياً بريطانياً غاضباً من تاتشر وريغان حيث يرد ذلك فعلاً في نصوص أحدى الأغنيات كي أضمن عدم تأويلها كموقف شخصي مناهض للحرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.