أن تكتب عن العدم.. فيحيا! – بيتي فرح

 

28 فبراير 2024

بيتي فرح – كاتبة وصحفية سورية

ما العدم؟ هل يشبه غرفة فارغة من كل شيء؟ أم هو كالفضاء الواسع الخالي من كل النجوم والكواكب؟

التقليدي من الكلمة هو اللاشيء أو الفراغ المطلق. هذا فلسفيا، لكن يقول قانون الفيزياء إن للعدم مستويات مختلفة جعلته يختلف عن الفراغ، ما جعلنا نغوص في تلك القوانين ونستخلص كبشر من تجاربنا ماهية هذا العدم.

ربما قوانينا غير المنطقية تنسف ما قاله العلم والفلاسفة إثبات منا أن الروح قادرة على خلق فضائها الفارغ أو العدمي واعتماد فلسفتها! فالعدم أتاح لكل امرئ أن يكون فيلسوفا على مقاس روحه، ويتحول العدم الصغير إلى كون فصّل على هذا المقاس، فعندما أغمض عيني أرى ظلاما مؤلفا من عناصر خلقت هذا الظلام، وأرسم له النواة والمحيط، لأدخل في “نيرفانية” الخلق من جديد! فهنا أنا الخالق وأنا الكون الصغير، وأستيقظ على يقين أن للحياة صوتين، يرتفع ضجيج الصمت منهما..

أيقنت أن الشعور بالعدم أصعب من تعريفه أو التحدث عنه، حينها تفقد كل شيء حتى الأنا، قد يكون استسلاما يؤدي إلى التهلكة، وقد يجعلك تنتفض مرة أخرى وتعود أقوى.

لقد أعطت الحياة الحق لصوتك الداخلي أن يخرج من سجن الجدران الساكتة، صوت يشبه حفنة التراب الأولى التي تطورت. فأنت إله صغير تستطيع بناء بيتك من (كمشة) عدم حتى وإن كانت صغيرة على مقاسك! لأن الحياة ابنة العدم، والموت عشيقها، سباق الخلق في عقولنا الهشة، وابن البشر المنفي إلى الدوائر المعزولة، المجرد من الروح، يقتات القليل من الكثير وينجب جينات خرجت عن قانونها وذهبت طواعية نحو الفراغ، لكنني أستطيع رؤية العدم والتقاطه لأجزم أنه مرئي بعكس ما يقولون، هل لأننا اعتدنا العيش في العدمية المطلقة من كل شيئ؟ وهل لأننا نمارس الطقس الانساني المنحولة قوانينه بشكل علني ؟ ليصبح حقيقة نفسية وجودية!

هل تعلم أنك وليد العدم ثلاث مرات؟ الأولى: عندما انتصرتِ النطفة واتّحدت، والثانية عندما تكونت في الرحم، والثالثة عندما جاهدت لتخرج ويقتحم اسمك بيان القيد، وفي المجمل؛ كنت مشروع ميت وبالصدفة عشت, تأقلمت مع برد الفراغ الكوني، ﻷن كونك الداخلي بسعة الفضاء، ملون وأسود في آن واحد شبيه بالأحرف

الأبجدية التي تحتضن الكلمات المقدسة والمدنسة، ومن فرط الهلوسة، تلعب لعبة الروليت الروسية بدم بارد، وفي لحظة التصويب إلى الرأس، تجتاحك عبثية مخمّرة بداخلك، تفوق بحجمها الفضاء الكوني ويختصر الكون إلى مشهد قصير، تكتشف معه أن التجارب الحياتية كالناس والحديد، كما يلين الحديد في درجة الانصهار، تعتّقك التجربة لتحول أعقد فلسفة إلى أبسطها، كلعبة الروليت تلك، تتنازل عن فكرة السؤال (من السابق ومن اللاحق بفكرة وجود العدم)، دع الله يفعل ما يشاء، ودع روحك تفعل ما تشاء، وبينهما نريد العدل من ذاك القدر .

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.