عن الشعب كشريكٍ ومحرّك أساسي – جود سعيد

22 فبراير 2024

جود سعيد – مخرج وأكاديمي سوري

يحتاج الشعب، أي شعب، إلى شيئين أساسيين كي يحافظ على ديناميكيته الإنتاجية وإحساسه بالانتماء؛ الأمان والثقة. إحساسه بالأمان يولّد عند أفراده الرغبة بالإنتاج والتحرّك نحو تحسين واقعهم مما ينعكس إيجاباً على الواقع الجمعي وصحة المجتمع وهذا الإحساس يؤمن أرضية صلبة لأية مشاريع إبداعية طموحة يبتكرها الأفراد لتكون حوامل التقدم بالجماعة إلى الأمام.

أما الثقة (بالجهات الوصائية اقتصادياً وعدلياً) فهي تالية للإحساس الأول وأساسية لكي تتساوى فرص التنافس ولو نسبياً ولا يشعر أصحاب المشاريع بالخوف من القرارات الحكومية (إن كنا ننحو باتجاه نظام اقتصادي حر رأسمالي). أو هي ثقة بحكومة وصائية تسيطر على وسائل الانتاج و توزع الثروة عدلاً ولو نسبياً (إن كنا اشتراكيين) ومن الممكن أن تأخذ شكل ثقة بحماية الفقير من قبل الدولة و تأمين الحد الأدنى من المعيشة للطبقات الدنيا مع الحفاظ على نظام اقتصادي مفتوح وحر (أمثلة هذه المنظومة عديدة)..

في الحالات الثلاثة ، الثقة بأجهزة الدولة أساسية ومكملة لشعور الأمان وتشكّل أول الطريق نحو العمل، كيف تنشأ هذه الثقة؟ من محاربة المثل التالي يا حكومة: “أسمع كلامك يعجبني، أشوف فعايلك أستعجب”.

هل هناك من يسأل ما الذي تفكر به الناس؟ لربما نعم (ولا أشك في ذلك) ولكن عبر مسالك أو أشخاص خاطئين. هل هناك من سبر الرأي العام حالياً وأين هو؟ أم أننا نكتفي بمزاج منافقي السوشيال ميديا وبعض الآراء الفردية؟

أعتقد اليوم أن الثقة بين الشعب، الذي يعاني حقيقة من أوضاع مأساوية اقتصادياً وتضيق به سبل الحياة يوماً بعد يوم، والسلطة التنفيذية مفقودة تماماً. مثلاً، هل يعقل أن تتم زيادة الرواتب وفي الوقت نفسه تتضاعف أسعار الخدمات بمعدل أعلى من الزيادة؟! ما هو الشعور الذي سينتاب المواطن بعد ذلك لاسيما أن ما من أحد خرج علينا ليقول هذا سببه كذا وذلك مرده إلى ذاك…

هذا الإحباط سيتراكم ويُحدث طبقات من اللاثقة ويصنع فجوة (موجودة سلفاً) أخاف أن ردمها مستقبلاً صعب جداً. أحد الأسباب (غياب الثقة) وربما أهمها عدم وجود جسر تواصل معرفي شفاف يفسر ويشرح ما نعيش ولم نعيشه!

إعلامنا الرسمي خارج المعادلة ( أستثني أفراداً فيه) تنظر له الناس بعين الريبة لأنها اعتادت عليه شعاراتياً لا حياتياً، سلطوياً لا شعبياً، مهادناً لا مماحكاً وأخيراً وهي الأسوأ مُسكناً لا مُعالجاً. بعض الإعلام الخاص يخضع لسوية الأفراد التي تديره فما من ديمومة مؤسساتية، إن رحل هؤلاء الأفراد رحلت معهم قيمة المنبر وتحوّل إلى مساحة للثرثرة لا أكثر.

الفن (لا سيما فنون الأداء من سينما ومسرح أو وسائل الترفيه التي تستخدم أدوات فنية كالدراما المصورة)، بشقه الرسمي خاضع إما للتوجيه أو للرداءة، وفي كلتا الحالتين (مع استثناءات فردية) هو غير مشاهد وبالتالي لا يملك تأثيراً. بشقه الخاص هو مكبل حتى اليوم بمزاج رقابي يمثله القائمون على الرقابة وليس سياسة الدولة (تخيلوا المأساة)!

وعلى المقلب الآخر شركات (تمثل رأسمالٍ لا يقرأ) مُدارة بأمية مما يسهل وجود مشاريع كما لو أنها ممولة من ألد أعداء المجتمع قبل الدولة…

حاصل الكلام ودون إطالة، هنا أيضاً لا سياسة واضحة لإدارة قدرة الفن على أن يكون قوة ناعمة تحرك المجتمع، نحن اليوم بأمس الحاجة إلى الجرأة في تغيير تعاطينا مع أنفسنا وسماع الصوت الذي يقول نعم هناك مشكلة وكبيرة وليس ذلك الذي يفحّ مدحاً.

نحن -وكلٌّ من موقعه- بحاجة إلى الصرامة في الدفاع عن هويتنا والحرية في دعم المشاريع التي تعيد الثقة أو أقله تبدأ في إعادتها.

هذا الشعب سبب رئيس لعدم انهيار الدولة، أبسط أحلامه أن يعامل كبطل وهو يستحق. مخاطبته الدائمة ومن غير وصائية، الحديث معه بوضوح شديد، اعتباره شريكاً في البناء هي أبواب الغد، وصلنا إلى هنا بسبب فساد استشرى منذ سنين كثيرة (وهو ليس فساد الموظف البسيط) بل فساد من أثرى على حساب فقراء ماتوا من أجل البلاد، كم هي صعبة هذه المعادلة. نعلم أن هذا الفساد لن يغيب بين ليلة وضحاها ولن تقضي عليه لا ملاحقات هنا وضربات هناك، ما يجعله ينحسر هو عودة الثقة، نعم الثقة. نحن طيبون ومستعدون دوماً لأن ندافع عن هويتنا فلا تفقدونا إياها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.