“سندس” دراما الواقع السعودي.. ما له وما عليه

كمال طنوس_بيروت

“سندس” الدراما العائلية التي تلامس كل فرد وكل عائلة. تعالج داخل البيوت وكل ما فيها من مشاكل وتحديات وعلاقة الأبناء بأهلهم. مضاف لها مشاكل اجتماعية وأفراد لهم أهواؤهم وسقطاتهم ومشاكلهم.
هذه الدراما التي تتسم بوجه خاص بتصوير المجتمع السعودي داخل بيته وتتقاطع سماته في ملامح كثيرة مع عائلات في كل مجتمع وكل بلد. وهذه ميزة يمكن أن تعمم لتصبح الدراما لسان حال الناس كلهم بكل مشاربهم وهويتهم.
مثل هذه الأعمال التي تعتبر ورشة حياتية وتصوير حي لما يجري داخل البيوت يحتمل جزء ثانٍ وثالث وربما أكثر. لأن البطل هي تلك المؤسسة التي لا تنتهي مشاكلها وتحدياتها فالأحداث تكبر مع كبر أفرادها وكل المجريات التي قد تواجههم.
ركز هذا العمل الدرامي على البطلة “سندس” وأعطاها اسم المسلسل في حين كل افراد العمل أبطال. فهذه الجمعة من شخصيات لهم حكايتهم ومعاناتهم ونجاحاتهم وأفراحهم يصح فيهم لقب بطولة.


تصدير سندس “إلهام علي” كشخصية محورية قادرة على الجمع وحلّ المشاكل ولمّ شمل العائلة حولها. فهي المرأة السحرية التي عندها حلول منطقية واعية لكل واقعة ومصيبة.
فهذا الدور الذي لم يعطَ لها كأم بل كمربية وبعد ذلك كصديقة للعائلة لكن ميزتها الأساسية هي الحب والاهتمام. وكأن بالحب والاعتناء تشفى العائلات. وبهذه الروحية ترتفع روح الأمومة حتى ولو كانت الأم الحقيقية مفقودة.
فهذا الخيار الصائب لابتكار شخصية تلعب دور الأم وهي ليست أماً اعطى الدراما روحية الشغف ووضع السكة في غير ترابها وجعلها تحرث تربة مغايرة فكان الاحتدام قوي والمصارعة الدرامية حامية.
الشخصيات جميعها متآلفة ولا يوجد ذاك الحشو المنفر بل كل شخصية لها دورها المدروس. أتى الكاتب علاء حمزة بعائلة كبيرة بأفرادها حتى يتسنى له معالجة أكبر للكثير من القضايا والاتجاهات التي تخص كل فرد.
فتلك الصبية الي تزوجت وتطلقت ولها ابن مسؤولة عنه. وتلك الشغوفة بالملابس والمشتريات ولا تهتم بدراستها. وذاك الأبن الطائش الذي يصرف المال على أهوائه وسياراته وذاك الصبي الذكي صاحب الرؤية والملهم بالمعرفة والذي لا يفوته شيء من الحكمة والدهاء. والأبنة الصغرى التي ما زالت بحاجة إلى عناية واهتمام أم تحتضنها.


هذه التوليفة المتعددة فتحت أمام المشاهد الكثير من النوافذ ليسترق على قصص أفرادها. والأب “حسن عسيري” الضائع المغفل أحياناً والمنهك وسط أبناء لا يرحمون وفي الوقت نفسه عليه أن يدير أعماله الناجحة. وسندس في وسطهم هي الحل والربط والعين الساهرة والمرجعية التي لا يشكك بها أحد.
“سندس” عمل درامي طازج يحكي عن هذا العصر بكل ما فيه من مستجدات سواء بسيادة الميديا أو بالانفتاح التي تواجهه المملكة والإضاءة على القوانين الجديدة التي تحمي العائلة وأفرادها من الإيذاء وتدخل السلطة في حماية الأفراد حتى من عائلاتهم.
وكأن هذا النوع من الدراما هو تكريس وتعجيل لأفكار يجب أن تسود وسط مجتمع خارج من تقاليد معينة وبات عنده رؤية جديدة وأفكار جديدة يمكن التمسك بها والمشي في خطاها نحو مستقبل جديد.


هناك شخصيتان براقتان لا يمكن إلا والتوقف عندهما سواء بالأداء أو بالعمق الدرامي.
وهما إلهام علي بشخصيتها القوية والحكيمة والحنونة وقدرتها على تلوين أدائها بين الحزم والرقة والمرح “الهضامة” والسخرية والنجاح كامرأة لها مكانتها المحترمة وسط العائلة والمجتمع. فهذا التحفيز على دور المرأة واستعلاء شأنها هو خطاب جوهري في هذه الدراما بعيداً عن الاسفاف والتصنع.
والشخصية الأخرى التي تخطف الألباب هو الطفل محمد الحربي “ثامر” بدوره الغريب كطفل ناضج ملهم بالعلم والذكاء ويشكل مرجعية فطرية لكل أفراد العائلة. يؤديها محمد بلطافة وجمالية مدهشة. لا يمكن أن يمر مشهد له دون أن يحفز بالكثير من الأفكار البراقة والمرحة في آن.


ليس غريباً أن يتصدر “سندس” بجزئه الثاني التراند فهو عمل ذكي مكثف بالأحداث أبطاله مزروعين في كل بيت واحداثه تضيء على مجتمع يشهد نقلة نوعية بأفكاره الطموحة التي تخطوها المملكة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.