في حوارٍ مع ويليس لامب أحد العلماء الفائزين بنوبل، قال: من أنا في خضم هذا العالم؟ لا يوجد لي تأثير بالغ على الكوكب.. يا ليتني ميكي ماوس!.. أنظر كيف جعل العالم أجمل! لقد صدق لامب.. كم هو غريب أن يصبح فأر أيقونة عالمية لا مثيل لها، أيقونة كتب عنها كبار الكتاب والمسرحيين ورسمها كبار التشكيليين والفنانين مثل أندي وارهول وروي ليختنشتاين.
حسب الكثير من الوثائق، ولد ميكي ماوس في مثل هذا اليوم، 13 يناير من عام 1928 كأول سكيتش تجريبي، وإن جاء أول عرض له في مايو من ذات العام، هذا يعني أنه جاء قبل عام واحد فقط من الكساد الكبير. وقد قال أحد المضاربين في بورصة نيويورك التي انهارت حينها: “ما حالنا لولا هذا الفأر الصغير”؟
اليوم، لا يمكن أن نتخيل وجود العالم دون ميكي ماوس، أحد أكثر الشخصيات الكرتونية تأثيراً وعمرا، كما لا يمكن أن نصدق أن أحداً ما حول الكوكب لا يعرفه.
منذ ابتكاره، أصبح ميكي رمزًا عالميًا، حيث ظهر في الأفلام والبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو وغيرها. إنه رمز الأمل والسعادة للناس في جميع أنحاء العالم، ويمكن رؤية تأثيره في العديد من جوانب الثقافة الشعبية. لقد صمد ميكي ماوس حقًا أمام اختبار الزمن وسيستمر في جلب السعادة للأجيال القادمة.
ومن الطريف أن مبتكر شخصية ميكي، السيد والت ديزني، لم يكن يخطط لأن يصبح الفأر الصغير نجماً وبطلاً مستقلاً، لقد تم رسمه كبديل لشخصية أخرى تسمى أوزوالد الأرنب المحظوظ! إلا أنه ولد عندما فقدت شركة ديزني حقوق أوزوالد، فقرر ابتكار شخصية جديدة تكون تحت سيطرته بالكامل. تلك الشخصية كانت ميكي.
في خسارته هذه، أصبح والت دون أصدقاء كالعادة، غادره الجميع ما عدا أشخاص قلائل أقاموا في استوديو ديزني كان رسام الرسوم المتحركة أوب إيوركس على رأسهم، والفنان المتدرب ليس كلارك، وويلفريد جاكسون. وأثناء عودتهم بالقطار من نيويورك إلى المنزل الريفي، طرح والت أفكاراً حول شخصية كرتونية جديدة.
بدأ الرسامون في العمل، بقرة، ضفدع، حصان، وكان والت يرفضها كلها، لكنه وافق فوراً حينما أراه صديقه أوب إيوركس رسماً لفأر ظريف مستوحىً من فأر كان يجول في المنزل الريفي بثقة. وأسمته ليليان ديزني “ميكي” مبارك.. أصبح لدينا ميكي ماوس!
يقول والت ديزني: “أعتقد أننا كنا مدينين إلى حد ما لتشارلي شابلن كملهم لميكي ماوس. أردنا شيئًا جذابًا وحزيناً. الفأر يحتوي على شيء من حزن شابلن.. رجل صغير يحاول أن يبذل قصارى جهده”.
لقد خضع ميكي عبر السنين بالكثير الكثير من التغيرات في التصدير ورسم الخطوط والبيئة والألوان، لكنه ظل ثابتاً طبيعته النفسية! فهو فأر طيب القلب يحاول دائمًا فعل الشيء الصحيح، حتى عندما تصبح الأمور صعبة.
في لقاء مع الممثل الشهير روبرت ريدفورد والذي شارف على التسعين من عمره، قال: أنا لست كبيراً إلى هذا الحدّ.. ميكي ماوس أكبر مني! نعم خلال 94 عامًا من عمر ميكي، إلا أنه ظل ظريفاً مثل روبرت ريدفورد، وظل مصدراً للإيجابية والأمل، وهو ما استثمرته الولايات المتحدة لصالح “شياطينها”!
يقول الصحفي والمصور الفرنسي فرانسوا غوتييه: “الولايات المتحدة بذيئة جداً، لن يشفع لها يوماً أي عمل.. اللهم إلا ميكي ماوس”. نعم، كما قال فرانسوا، فقد استثمرت الولايات المتحدة شعبية ميكي إلى أقصى درجة وساقته إلى الجيش وفواحش الأمور! فأثناء عملية نورماندي للحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية كانت كلمة السر لبدء العملية هي “ميكي ماوس”!
كما كانت منتجات ديزني تحظى بشعبية كبيرة لدرجة أن حكومة الولايات المتحدة جعلت شركة والت ديزني تنتج دعاية مؤيدة للحرب لأمريكا في محاولة لجمع الدعم للحرب. وقد ساهم ميكي البريء كأداة تسويقية في المنتجات والإعلانات والشعارات.
استثمرته أمريكا جيداً، وضعته على طوابع البريد وساعات وطبع على الروزنامات وأصبح له نوادٍ للمعجبين من الصين للبرازيل. ورسّم كأول شخصية كرتونية له نجمة في شارع هوليوود.
إنه يشبه الطفل في كل واحدٍ منا، فهو “رجل” عادي مستضعف متعاطف يتدبر أمره بالذكاء والبراعة في مواجهة التحديات الأكبر منه وهذا يجعله رمزاً للكبار والصغار، وكان طبعاً الشخصية الأقرب لوالت ديزني من بين شخصياته كما ذكر. فقد غير صناعة الرسوم المتحركة إلى الأبد ورفع سقف المنافسة عالياً.
لقد فشل ميكي في أول عرض، وفشل في ثاني وثالث عرض، ولم يجد والت ديزني موزعاً لأفلامه، ومع بعض الرتوش والموسيقا العبقرية التي رافقته وصوت والت ديزني نفسه للشخصية.. انطلق في الآفاق، ومع تقدم الكساد الكبير واختفاء القط فيليكس المنافس الشرس من شاشة السينما، ارتفعت شعبية ميكي إلى أقصى حد، وبحلول عام 1932، كان نادي ميكي ماوس يضم مليون عضواً، وفي حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس عام 1932، تلقى ميكي أول ترشيح لجائزة الأوسكار، والتي حصل عليها عن فيلم أيتام ميكي (1931). كما حصل والت ديزني أيضًا على جائزة الأوسكار الفخرية لابتكار شخصية ميكي ماوس.
