د.سامي الذيبي: لولا الشعر لكنتُ مشروع قاطع طريق!

25 مايو 2023

حاوره: هاني نديم

عرفته منذ سنوات طوال، دكتور جامعي وشاعر مختلف يعمل بصمت ودون ضجيج لإثراء المشهد الثقافي التونسي والعربي، يعمل بدأب؛ يدرس هنا ويترجم هناك ويكتب مقالات نقدية وبحوث علمية، مثقف مشتبك وحاضر في الفعاليات العربية التي يعد نفسه معنياً بها كأي عربي قومي بانتمائه ومنتجه الفكري. د.سامي الذيبي، شاعر وباحث تونسي، صدر له العديد من المجموعات الشعرية والمقالات البحثية النقدية. دردشنا معاً حول السنوات الأخيرة من الثقافة في تونس والوطن العربي، سألته:

  • المشهد الثقافي التونسي مضطرب جدّا اليوم، كيف تقرأ لنا ذلك بعيدًا عن التجاذبات والشلليّة؟ ماذا يجري ولماذا أصبحنا هنا؟

-يمكننا أن نتفاءَل خيرًا بمشهد ثقافي مُضطرب ومُتحرّك بما يعنيه من حياة ضديدا للجُمود والسّكون والموات، وهي سمة إيجابية تتميّز بها هذه الفترة من فترات الشأن الثقافي التونسي كما جهات عربيّة عدّة، يتطلّب فعل “التجريب” الإبداعي إلى ظهور غيوم رعدية ورياح قوية -بلغة المناخ المُضطرب- ما يعني تقويضا وإعادة ترتيب لا بدّ منه، خاصّة وأننا عشنا فترات جمود خلال هذه العشريّة الأخيرة اختلط فيها الحابل بالنّابل، وظهرت فيها أصوات سطحيّة وغير مُؤسِّسة سرعان ما ركنت إلى النسيان ووقع إزاحة بعضها بفعل الزّمن، وبقيّة الفاعلين الثقافيين غير المرغوب فيهم والدخلاء والذين لا يملكون مشروعا ثقافيا حقيقيا غير السمسرة والتجارة بالمشهد الثقافي ككل، هؤلاء هم سبب كل ما يحدث اليوم في تونس. ولا شكّ أن المشهد الثقافي محكوم ككل القطاعات الأخرى بمستفيدين نافذين منذ عدة سنوات، “بارونات” متنفّذة لا همّ لها غير سرقة المال العام وعوض المساهمة به في بناء مشهد ثقافي ناجح وناجع فإنّهم يعملون على إزاحة وتحييد كل صوت وطني وحُرّ يرى تونس أخرى أعلى وأرقى ثقافيا مما هي عليه الآن، تونس الحقيقيّة والمُبدعة خارج الإطار الرّسمي في الأحياء والمناطق الداخلية والأرياف القصيّة، كلها عناوين لبناء ثقافي مبدع ومُؤسِّس، ولأنّنا انخرطنا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي في هذا المشهد من زوايا مختلفة فإنّنا نعتقد أنّه ما تزال هنالك قيود عدّة على المبدعين الموظفين في مهن مختلفة وخاصّة وأن الإبداع ليس الوظيفة المهنيّة، في حين لا تعترف الأطر الرسميّة بذلك، فيكون الصِّدام وتأتي جميع أنواع الضّغوطات والهرسلة، وهي في نهاية المطاف كلها دوافع للإبداع وانتاج للبديل الثقافي المنشود.

  في البدء لم يكن لديّ أي مشروع، كنتُ مشروع قاطع طريق في أرياف وجبال الوسط الغربي التونسي، وصُدفةً رأيتُ الشّعرَ حافيًا

 

  • مشروعك الأكاديمي هل يتعارض مع مشروعك الأدبي أم يثريه؟ كيف توفّق بين الجهتين؟

 – في البدء لم يكن لديّ أي مشروع، كنتُ مشروع قاطع طريق في أرياف وجبال الوسط الغربي التونسي، وصُدفةً رأيتُ الشّعرَ حافيًا، ولأنّني مشيْتُ كثيرا حافيًا، أردتُ أن أشارك اسكافيّي هذا العالم ونخيط للشعر حذاءً، وحين توهّمنا أننا أكملنا ذلك فكّرنا في مشاركة ألوان الربيع لتلوين هذا الحذاء، وما زلنا نحاول أن نزّين اللغةَ من أجل أن يمشي الإنسان معافى.

أما المشروع الأكاديمي  فهو لاحق للمشروع الأدبي، طبعًا إذا حقّ لنا أن نهجس بمصطلح “المشروع”، ربّما كنتُ محظوظا في اختياري للاختصاص الجامعي وهو ذات الاختصاص الذي ينفتح على مجال العلوم الثقافية أو الدّراسات الثقافيّة، اشتغلتُ خلاله على تعميق الاختصاص في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، حيث كنتُ مشغولا بهاجس “الهيمنة الثقافية” أو ما يُمكن أن نسمّيه الاستعمار الثقافي، ولعلّ هذا الاختصاص هو المجال الأكاديمي الحقيقي الذي يُمِكِنُني أن أرى من خلاله نفسي وتطلّعاتي البحثيّة، ربما لأنه يُثري رؤيتي للحياة ويدعّهما وفق أسسٍ علميةٍ ونظريّةٍ تتوافق مع مشروعي الإبداعي وتُساهم في تطويره.

 

  • تتردّد مقولة المشارقة والمغاربة، هل تجد حقّا هذا الفرق كتابيّا على الأقل؟ ماهي أهم الفروقات وما رمزيّة المُصطلح لديكم؟

– على المثقف الحرّ نبذ مثل هذه التسميات المسمومة لما تخفيه في طياتها من إهانة للإبداع من حيث أنها تقر بوجوده وتحرّكه داخل حدود الجغرافيا، والحقيقة أنه لا جغرافيا ولا حدود على الإبداع، ولكن يحاول البعض ترديد مثل هذه التسميات واعطائها مشروعيّة، وأنا شخصيا أعتبر المروّجين لمثل هذه التسميات بتقسيماتها من بين الذين يعانون من نقص فادح في الإبداع، فتراهم يصنعون حواجز وهميّة ليواروا بها خِذلانهم وخَيباتهم وعجزهم عن خلق منجز إبداعي ذي قيمة، ولا أعتقد أنه توجد فوارق في الكتابة ما عدى الجديّة والابداعية لكل عمل بمفرده، فلا أذكر أنّني قرأتُ عملاً أدبيًّا مثلا وقلت هذا لمشارقي أو هذا لمغاربي!على المبدع الذي يُردّد مثل هذه التسميات أن يتخلّص من صناعة أسباب وَهْمِ العجز حتى تتحقق العمليّة الابداعيّة.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.