حريق في الذاكرة

3 فبراير 2024
نور موصلي – شاعرة وكاتبة سورية
يقولون إنَّ الشِّتاءَ فصلُ الحبِّ والدِّفء والسَّكينة، لكنَّني أكرهه وأخاف منه..
فذات شتاءٍ ماتت من البرد جارتنا أم ريما، وريما لم تزل في عامها الخامس.. كنت أجلس معها على عتبةِ الباب نلعب وأحرص على ألَّا أذكرها بأمِّها، وفي الليل كنت أسحب غطائي وأضعه على جسد أمِّي وأهمس في أذنيها وأنا أرتعش: لا تموتي.. كبرت ريما ونسيتْ أمَّها لكنني بقيت أرتجف برداً في ليالي الشِّتاء.
وفي شتاءٍ ثانٍ هبط علينا من السَّطح سجينٌ فار مقيَّد اليدين عاري الجسد.. قال لأمِّي: خبِّئيني أرجوك، ففتحتْ له الباب وقالت: لا أستطيع.. اهرب ولن أخبرَ أحداً أنَّي رأيتك، فطلب منها ثياباً يستر بها عريه ويدفئ جسده المرتعش فذهبتُ لأحضرَ له ثيابَ أخي وحين عدتُ لم أجده.. كان حشدٌ من الشُّرطة يدقُّ بابنا والسَّجين قد اختفى، ومن يومها وأنا أقف على السَّطح كل شتاءٍ والثِّياب في يدي.
وفي شتاء آخر شبَّ حريقٌ في بيتنا حين كان أبي يحاول أن يشعلَ الموقد بحطبٍ رطبٍ، وحين يئس من اشتعاله اشتدَّ غضبه ورمى فيه بارود الصَّيد الذي كان يصيد لنا به الدُّوري الشهيَّ.. كان حريقاً ضخماً ،احترق أبي حروقاً بالغةً ووقف وسط الدَّار وهو يحترق ويصرخ : “تدفؤوا يا صغاري تدفؤوا، حروقي ستكفيكم حتى الصَّيف”، ومنذ تلك الحادثة لم يغادر الشِّتاءُ بيتنا.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.