بحثاً عن نجومية ضائعة.. نجوم سوريون يغامرون بتاريخهم على “تيك توك”

13 نوفمبر 2023
جوان ملا- دمشق

من يتصفح أو يشارك أو يستخدم تطبيق “التيك توك” سيجد هناك عالماً آخر مختلفاً بشكل كلي عما يجول حولنا، فهو بعيد كل البعد عن الحرب الدائرة في منطقتنا، ومن الممكن أن تواجهوا أشخاصاً يدعمون غزة وفلسطين على حساباتهم في تطبيقات إكس وفيسبوك وإنستغرام بمنشورات و “ستوريات” عدة وفي المساء يسهرون على تيك توك يغنون ويرقصون ويقومون بالتحديات، وبالعموم ظاهرة التناقض بين شخصية الإنسان في الواقع وما ينشره عبر وسائل التواصل ليست بالجديدة، فمنذ دخول هذه التطبيقات لحياتنا بات كثيرون منا يحاولون أن ينشروا عنهم أشياء قد لا تشبههم بتاتاً في الواقع من صورٍ ومقولاتٍ لمثالية عالية قد تكون زائفة، أو تفاصيل من حياتهم نشعر من خلالها أنهم في عالم وردي لكن الواقع يقول غير ذلك.

المشاهير وعالم “تيك توك”
هذا التناقض وصل إلى المشاهير أنفسهم، الذين انتقلوا من عالم الشهرة في التلفزيون والمسلسلات والأفلام المهمة المتميزة بشخصيات بارزة ومحفورة في الأذهان، إلى عالم التيك توك بتحديات وبثوث مباشرة يملؤها الصراخ والضحك والجنون وعبارات “يسعد دينك ويسعد روحك يا فلان” وادعمونا بشير وتكبيس و إلى آخره من هذه الأفعال.

@mirna.shalfoun #ميرنا_شلفون #دبي #تيك_توك #السعودية_تيك_توك #الرياض #جدة #سوريا #دمشق_الياسمين ♬ الصوت الأصلي – ميرنا شلفون


وربما أكثر من دخل هذا العالم مؤخراً هم عدد من الفنانين السوريين الذين – بغالبهم- ليسوا من نجوم الصف الأول، ليبدؤوا بمشاركة الناس أفكارهم ومشاعرهم وأحاديثهم بطريقة لا تخلو للأسف من “قلة الهيبة”، في الوقت الذي كنا قبل عصر السوشال ميديا حين نصادف أي فنان نحبه في شارعٍ أو في مطعمٍ ما يخفق القلب ونتعرق ونخجل حتى من السلام عليه، لكن الدنيا انقلبت رأساً على عقب ولم يعد باليد حيلة، فغرقنا جميعاً في أجهزة الجوال والحاسوب والتاب والسوشال ميديا، وبالعموم ولتحليل هذه الظاهرة التي بدأت تبتلع الفنانين السوريين وغيرهم من جنسيات أخرى أيضاً واحداً تلو الآخر، لا بد أن نتوقف ونسأل، ما السبب الذي قد يدفع فنانين سوريا بالتحديد والذين لديهم رصيد مهم في أذهان الناس من شخصيات قدموها كانت مرسومة بعناية في أن يدخلوا عالم التيك توك هذا؟، ولماذا يفعلون هذه التصرفات التي تقلل من شأنهم بعيون المتابعين؟ مع العلم أن تطبيق تيك توك محظور في سوريا ولا يعمل إلا بـ “كاسر بروكسي” بصعوبة؟ لذا سنقدم ثلاثة أسباب ربما تكون هي الأبرز بانتشار هذه الظاهرة.

السبب الأول: العامل المادي

تعاني سوريا من وضع اقتصادي سيئ للغاية ربما لا يعرف فيه سوى الله والمواطنين السوريين أنفسهم، فالإعلام السوري بضعفه الحالي وعدم قدرته على مواكبة العصر والتقنيات الحديثة، وقلة وجود قنوات سورية خاصة جعلت من هموم الناس ومشاكلهم في الشارع السوري أمراً محلياً بحت لا يسمع فيه المحيط العربي على أقل تقدير بطريقة فعالة شفافة، فلم يستطع الإعلام أن يوصِل كمية الوضع المزري داخل البلاد من الناحية الاقتصادية والخدمية نتيجة تَبِعات الحرب والعقوبات، وهذا ما أثّر بطبيعة الحال على مفاصل الحياة بأكملها حتى الثقافية والفنية، في بلدٍ كانت تنتَج فيه بالعام الواحد أكثر من ستين مسلسلاً وتصدّرُ للخارج قمحاً وقطناً، فتراجعت استثمارات شركات الإنتاج العربية داخل سوريا بشكل واضح، وبقيت شركات الإنتاج السورية تدفع للممثلين والقائمين على الأعمال مبالغ بسيطة لا ترقى لمستوى معيشة فنان وجهده وتعبه على مدار شهور طويلة في تصوير مسلسل، وهذا ما دفع الممثلين السوريين للخروج نحو لبنان ومصر وغيرهما والقبول بأعمال قد لا تشبههم بحثاً عن الرزق، والمال المناسب لمدخول الحياة، فمع تخبط سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، قد يوقّع الفنان على أجر قدره ستين مليون ليرة سورية “مثلاً” ولنفرض أنها تعادل مبلغاً قدره ألف وخمسمئة دولار، إلا أنه وبينما يقبض المبلغ المتبقي وبسبب انهيار الليرة المستمر يصبح المبلغ نفسه ألف دولار فقط خلال شهور، فيخرج الفنان من العمل الذي صوَّرَهُ خاسراً مادياً من خصوصاً أن التعامل بالدولار ممنوع بشكل تام في سوريا ويعتبر جريمة تستوجب السجن والعقاب.

@wael #وائل_شرف #العكيد_معتز #باب_الحارة #foryoupage ♬ Powerful songs like action movie music – Tansa


هذا الأمر جعل بعض فناني الصف الثاني والثالث – ولن نسمي أحداً في هذا المقال – وحتى نجوم مهمين من الصف الأول يدخلون عالم التيك توك وذلك بعد انتشار شركات قائمة بحد ذاتها مشرفة على هذا التطبيق وغيره تدفع للمشتركين فيه مبالغ معينة شهرية بما يتوازى مع سعر دولار السوق السوداء بسوريا وبالليرة السورية، والأمر لا يتوقف على تيك توك فقط بل على تطبيقات أخرى مماثلة مثل “لايكي، بيغو لايف، نونو لايف” وهي تطبيقات صينية تعمل بشكل طبيعي في سوريا، فتستفيد هذه الشركات بجزء من الأرباح ومن شهرة الفنان المتعامل معها، لذا، بتنا نجد كثيراً من الفنانين يظهرون على تيك توك بشكل متواصل كنوع من “البزنس” فكلما ظهروا أكثر كلما زاد ربحهم أكثر، لكن ذلك يكون قائماً للأسف وفي كثير من الأحيان على هيبة وحضور الفنان وقيمته، فالتيك توك يستدعي أن تكون ضحلاً وسخيفاً دون شك لأنه يدفعك إلى ذلك بحسب خوارزمياته، عدا عن مشاركة أشخاص لا يعرفونهم في هذه البثوث المباشرة لا يمتلكون الحد الأدنى من الثقافة، لكنهم يُضطرون لمجاراتهم لأنهم يستطيعون دعمهم بـ “أسد أو نسر أو هدايا رقمية” تصل لحساباتهم ما يزيد التفاعل والمبالغ الربحية، فينحدر مستوى الفنان أكثر وهو يستجدي الناس لدعمه وهو نفسه الذي كان يوماً يتصدر الشاشة بشخصيات بارزة مؤثرة في الناس

السبب الثاني: الاستبعاد والإقصاء

مع حلول الدراما المشتركة كحل بديل للدراما السورية بعد بدء الحرب في سوريا عام ٢٠١١، بات النجوم السوريين كما أسلفنا يتنقلون لدراما لبنان ومصر والخليج للحصول على مبالغ مالية محترمة تقدر الجهد بشكل أكبر، كذلك الأمر بالنسبة للمخرجين والفنيين السوريين، فباتت الهجرة الفنية والثقافية من سوريا أكبر، وتُرِكَت البلاد تعاني وحدها في ظل ضعف واضح من كافة النواحي، عدا عن انقسام الوسط الفني بين بعضه بين “مؤيد ومعارض” من الناحية السياسية، فباتت لقاءاتهم داخل سوريا في عمل فني واحد شبه مستحيلة، لذا، بقي الوضع المادي أفضل بالنسبة للنجوم والمخرجين الصف الأول نتيجة عملهم في الخارج محافظين على استمرارية معينة مقبولة نوعاً ما، لكن ماذا عن الفنانين أصحاب الأدوار الثانوية؟.

@ghada_bashour1 #باقة_سام #سام_داماسكوس #💙سام🌹دماسكوس💙 #السويد🇸🇪 #تركيا🇹🇷 #المانيا🇩🇪 #السعودية🇸🇦 #الامارات🇦🇪 ♬ الصوت الأصلي – غادة بشور


لم يعد لهؤلاء الفنانين خيارات واسعة، فهم محكومون بالعمل “اضطرارياً” مع شركات سورية لا تعطي المال المناسب للفنان مقابل الجهد المبذول، لكنهم يقبلون على مضض بغية الرزق وعدم التغيب عن الساحة الفنية، فمواظبة الفنان على الظهور بشكل متواصل هو رأسماله في النهاية، لأن ذاكرة الجمهور والشركات قصيرة، فحتى النجوم أنفسهم إن اختفوا سنتين أو ثلاث بشكل متواصل ينساهم الناس وتظهر وجوه أخرى بسرعة تحل محلهم، لذا ومع دخول هذه التطبيقات لحياتنا مثل تيك توك وغيره وتحقيقها أرباحاً عالية – وهذا الأمر بدأ منذ أربع أو خمس سنوات تقريباً – وجد بعض الفنانين السوريين – خصوصاً الذين بقوا في سوريا ولم يغادروها – أنفسهم في مكان مريح أكثر وأفضل لهم، ولا يكلفهم شيئاً سوى الظهور في بث مباشر والحديث مع الناس لساعات متواصلة دون أن يكون لهذا الحديث أهمية أصلاً معتمدين على شهرتهم للحصول على الدعم و “الفولو” وبهذا قد يجني الفنان في شهر واحد وهو جالس في بيته على الأريكة مبالغ ممتازة قد تصل لثلاثة أو أربعة آلاف دولار شهرياً وحتماً هو لن يحصل عليهم خلال تصوير متواصل لمدة أربعة أشهر في مسلسل واحد، لا سيما أن هؤلاء الفنانين لم تُخَصَّص لهم أدوار في الدراما المشتركة، حتى أن الشركات المنتِجة لهذه الأعمال قد لا تعرفهم بالأصل، فما يهمهم في النهاية هو وجود النجوم السوريين واللبنانيين أبطال العمل الأساسيين وتفصيل مسلسل على “قياسهم” أما باقي الممثلين فليختَرْهُم المخرج كيفما شاء “وفخار يكسّر بعضو”، لذا كان خيار التواجد عبر هذه التطبيقات مربح ومريح بشكل أكبر ويواجه فكرة الاستبعاد والإقصاء الحاصلة مع هؤلاء الأشخاص حتى في دراما بلدهم ببعض الأحيان، وذلك كحل بديل عن الظهور في الشاشة والبقاء تحت رحمة شركات الإنتاج.

@zoushechannel #هدى_شعراوي #الدراما_السورية #باب_الحارة #ام_زكي #أم_زكي #zoushechannel #زووشي #سوريا #لبنان #المانيا #ايمن_رضا #ايمن_زيدان #شكران_مرتجى #short_videos #shorts #shortvideo #ميلاد_يوسف #دانا_حلبي ♬ original sound – ZouShe

السبب الثالث: استمرارية للشهرة

صحيحٌ أننا نتكلم عن فنانين مشاهير دخلوا عالم التيك توك، لكن في الحقيقة فإن التيك توك بحد ذاته صدَّرَ مشاهير كان من الممكن ألا نسمع بهم في حياتنا، وظهر مصطلح “التيكتوكرز والبلوغرز واليوتيوبرز” الذين تكاثروا بالانشطار بالآلاف، وباتوا من أصحاب الملايين نتيجة وجودهم في هذه التطبيقات، بل وتطلبهم الشركات العالمية للترويج لمستحضراتهم عن طريقهم أيضاً مقابل مبالغ مادية محترمة.

@gergesgebara #سام_داماسكوس #باقة_سام #fyp #السويد🇸🇪 #💙سام🌹دماسكوس💙 #المانيا🇩🇪 #تركيا🇹🇷 #اكسبلور #viral #دويتو ♬ الصوت الأصلي – جرجس جبارة


أما الفنان السوري اليوم “باستثناء النجوم” وفي غمرة ما يحدث من فوضى، لم يعد يقرأ نصوصاً ذات قيمة، ولا شخصيات مهمة تُلفتُه، ولا يحصل على مبالغ مربحة، كما أسلفنا، لذا تحوّلَ بعضهم لتيكتوكرز على اعتبار أن هذا التطبيق يحقق له شهرة أوسع واستمرارية، ولا غرابة في ذلك، فمع تراجع انتشار ومحتوى الدراما السورية، والإقصاء الحاصل لفناني سوريا، بات الفنانون يحاولون البقاء في الساحة من مبدأ إثبات الوجود عن طريق التيك توك والتطبيقات الأخرى، لا سيما أنها اليوم باتت تحقق شهرة واستمرارية أوسع لهم، خصوصاً لدى شريحة الجيل الجديد “من مواليد ال٢٠٠٠ والأصغر عمراً” الذين يتصفحون التيك توك وغيره ليل نهار وربما لا يعرفون أصلاً من هو هذا الفنان ولا أهمية ما قدم سابقاً لعدم حضورهم أو اهتمامهم بالدراما التلفزيونية ولعدم تأثيرها على حياتهم كما الجيل الذي سبقهم، فكان التيك توك السبيل الأنسب ليتعرف الناس على هذا الفنان، وربما وسيلة كي يذهب من يتابعه على تيك توك لحضور مسلسلاته القديمة وحتى الحديثة، فهناك الملايين على هذا التطبيق يشاركون ويتحدثون ويتكلمون، وبالتالي فإن الظهور المستمر للفنان بات يحافظ على شهرته حتى لو على مستوى “تيكتوكر”، فاليوم هو موجود وحاضر مهما كانت طبيعة هذا الحضور ولتذهب الشخصيات المهمة والدراما التلفزيونية للجحيم.

@al3ageed #العكيد #ابوغالب #سامر_المصري #نزار_ابو_حجر #قطر🇶🇦 #worldcup2022 #foryoupage #viral #foryou #explor ♬ original sound – Samer Al Masri


عدا عن ذلك فإن شركات الإنتاج نفسها -وقد تستغربون هذا لكنه يحصل كثيراً للأسف- تسأل المخرج والفنان في أي كاستنغ قبل كل شيء “ما هو عدد المتابعين لديك على تيك توك أو إنستغرام؟” فعامل الأداء الجيد والشخصية المناسبة للدور لم يعد يعنيهم بقدر ما يعنيهم عدد المتابعين، لأن ذلك يحقق ترويجاً أكبر للعمل والشركة، فباتت هذه التطبيقات تقود أصحاب شركات الإنتاج والفنانين لما ترغب هي في تصديره لا العكس، ومن هنا بدأ تراجع الدراما يتضح أكثر، مع دخول تيكتوكرز ويوتيوبرز وبلوغرز لعالم التمثيل وحتى الغناء ليس لأنهم يمتلكون الموهبة والأداء الناضج بل فقط لأن متابعيهم “بمئات الآلاف وربما الملايين” وبهذا سيوفرون حملات ترويجية وتسويقية -طويلة عريضة- على الشركة المنتجة.

@jihan.abdulazim.official #اكسبلور #foryo #جيهان_عبد_العظيم ♬ Leeh Tallah – Tamer Hosny


نحن نعرف والفنان نفسه ربما يعرف أن هذه التطبيقات لا تلائم تاريخه ولا أرشيفه ولا حضوره ولا صورته، بل تنحدر به للأسف، لكن إذا سألنا هذا الفنان نفسه “لماذا تفعل هكذا بنفسك بعد سنوات من العطاء المهني والألق؟” سيجيبك ببساطة “أين المهنة اليوم؟ وأين الألق؟ وأين الشركة التي ستدفع المال المناسب لجهدي وعملي؟”
وحين يجد إجابة شافية “قد” يبعتد عن هذه المهاترات التيكتوكية، رغم أنه يصعب ذلك بعد الآن، لأن هذه التطبيقات كالقمار تماماً، يدمن عليها كثيرون باعتبارها وسيلة سهلة للربح وهي أفضل بكثير مادياً ممن يعملون ليل نهار ويقبعون وراء مكاتبهم والكاميرات عشر ساعات متواصلة وأكثر على مبلغ شهري يمكن تحصيله في ثلاث ساعات بث باليوم على تيك توك فقط!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.