نغم ناعسة: لم توقفني الحرب.. قاومت بالجمال والفن كل هذا الموت!

2 يونيو 2023

حاورها هاني نديم

نغم ناعسة، وثيقة ثقافية مخفية في المشهد الثقافي السوري، ذلك أنها قضت عمرها في تأهيل الممثلين للوقوف أمام الكاميرات. أسست في سوريا ستيج آرت الذي امتد ليكون شركة ضخمة اليوم تؤهل الأفراد للوقوف أمام الكاميرات، من ممثلين وإعلاميين ورؤساء تنفيذين. 

عقدُ من الحرب والموت والتهجير والقصف في سوريا، لم تقف فيه يوماً نغم ناعسة عن العمل في الفن، نزلت مع فرقتها إلى الشارع، عزفوا وغنوا ومثلوا على الرصيف، أعادوا الثقة لليائسين والأمان للخائفين بإنتاجهم الجمالي، التقيتها وسألتها:

  • تعملين بتأهيل الممثلين، هل تلك الفكرة تصادر موهبة التمثيل؟ ألا يستطيع أيٌ كان أن يمثل؟ كيف بدأت فكرة ستيج آرت ولماذا انطلقتم بالمشروع؟

-التمثيل ليس حكرا على أحد، ولكن من يقوم بعملية التدريب على الأداء (أكتينغ كوتش) هو من يخلق الإشكالية الجوهرية التي نعاني منها اليوم .. إن تدريس التمثيل ليس (رياضيات) هو خيال وتركيز وخلق جديد للشخصية،

كانت فكرة ستيج آرت منذ ٨ سنوات هي ضم أكبر عدد من الممثلين المميزين والأساتذة المدربين لنكون شركة كاستينغ واحدة تستطيع اي شركة إنتاج التعامل معها على عدة أعمال خلال العام، مع ضمان أن يكون الجوهر في الأداء حقيقي (ومتعوب عليه كتير).

  • لكن اليوم بتنا نرى شركات لتدريب وتأهيل الممثلين تدار من أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة!

– إن هذا الكم الهائل الذي نراه اليوم من المدربين الذين ليس لهم علاقة بمهنة التمثيل تجعلك لوهلة تلعن الفن والساعة التي بذلت فيه جهداً كبيراً لتحقيق فكرة حقيقية في وسط كذاب.. أنانية البعض والتفكير بشكل فردي لا جماعي في المهنة لن يظهر إلا نتائج مخيبة للآمال بائسة وبالتالي ممثلين (لا نعرف قرعة أبوهن من وين).

  • حقق ستيج آرت إنجازات عديدة، ما أهم هذه المنجزات؟

– بفضل الله، وصلنا اليوم الى مهرجانات عالمية كبرى من خلال تدريبنا لشخصيات لا تعرف ألف باء التمثيل. بالنهاية كل الناس لها الحق في أن يصبحوا ممثلين لأنها مهنة اكتشاف الذات والحقائق، ولكن تحتاج المهنة الى جهود كبيرة من المدرب والممثل وشركة الانتاج والعمل على الممثل المبتدىء، قبل البدء بالتصوير بأشهر وخلال التصوير..ورحلة بحث مضنية بكل ما تعنيه الكلمة.. ما نراه اليوم ليس مزيف فقط، بل مخيف للمستقبل! الذين يسمون أنفسهن الشباب النجوم كلهم سواسية (نفس الصوت نفس الري أكشن نفس الأداء في عشر مسلسلات لنفس الشخص) من يدربهم من يعمل معهم؟ ومن يتيح الفرصة لهم ليظهروا لنا بهذا الابتذال؟

  • ما رأيك بالدراما السورية اليوم، هل كما وصفت بنهوض العنقاء مرة أخرى؟ كيف ترين الأمر؟
– قلت سابقا أنّ الدراما تموت بموت كُتابها ومخرجيها الحقيقيين.. وأقصد تماما بأنه لم نعد نرى أعمالاً تحمل قيّم فكرية عميقة أبعد من كونها مسلسل عابر ينتهي بانتهاء الـ٣٠ حلقة وكأن شيئا لم يكن. نريد دراما تحمي ذاكرتنا وحاضرنا ومستقبلنا وتقدم لنا الإفادة على كل الأصعدة وهذا هو دور الفن أصلا أن يعيش دائما ،ويغير مفاهيم في المجتمع ويعزز ثقافة مبنية على بحث وجهود من الكثيرين .
الدراما تفرخ اليوم عشرات الممثلين بنفس الصوت ونفس ردات الفعل ونفس الأداء في عشر مسلسلات لنفس الشخص.. من يدربهم من يعمل معهم؟
ولكن من الناحية الإيجابية خلال هذا العام كان هناك أعمالاً محترمة فيها جهود كبيرة ومبشرة من قبل شركات انتاج محددة . ولكن السؤال هل هذا يدوم!؟ وإلى متى! أو هل ستتأثر بقية الشركات بإنتاج حقيقي يدوم؟ ففي النهاية كل شيء فيه جهد وبحث للنص والفكرة المطروحة والتي تخلق تساؤل للمشاهد او حتى للممثلين أنفسهم، حتما ستكون النتيجة فيها إيجابية على كل الأصعدة.. أتمنى فعلا أن تتكثف هذه الجهود ولا يكون هناك استخفاف لا بعقل المشاهد ولا بالطاقات الشابة المُلهمة والتي تثبت يوما بعد يوم أنها الأقدر على نقل الواقع الحقيقي إلى الشاشة.. ولكن يجب أن تتاح الفرص للجميع من كتاب وممثلين وحتى مخرجين ..وان لا تتكرر نفس الأسماء في كل الأعمال.. فدائماً ما نسمع كلمة (ليك ما أحلى تمثيله..وين كان مخبى!) ولكن السؤال الأهم هو لهم : وين كنتوا مخبينو.. ؟؟ وليش؟؟  إذا لم نتحرر من فكرة الأنانية والتفكير الفردي و(طقطقة البراغي) لن نصل.. العمل الجماعي هو الحل وهو يعني النجاح، وهذا ما أصرّ عليه ولو أن الأمر يحتاج صبراً طويلاً لطول الطريق، ولكن تعودنا على هذا فنحن والصبر أخوان..
  • لماذا أنت مقلة في العمل الفني؟ أنا أسميك وثيقة مخفية للفن السوري سؤالي لك: لماذا يعتبر كل شخص لا يعمل في التلفزيون مقل في العمل الفني؟

– هناك الكثير من الشباب الذين يجلسون في بيوتهم ينتظرون فرصة واحدة، ووهم من الأوائل في التمثيل.. الفرق الوحيد أنني لم أنتظر أن تأتي الفرصة إلي بل خلقتها بعرق جبيني وتعبت في مشواري لسنوات وهذه المهنة تحتاج الى صبر وجهد وانتظار ولكن ليس في طابور التلفزيون فقط.. يستطيع أي إنسان أن يخلق البديل إذا كرسّ إرادته وسعى خلف طموحاته التي لا تتوقف عند شيء واحد وخاصة في مجال الفن، فهو بحرٌ واسع.

لم توقفنا الحرب، قاومت الجمال كل هذا الموت.. لقد أسست خلال فترة الحرب في سوريا ثلاث مشاريع فنية مهمة من ٢٠١٣ حتى الآن وكان لها الأثر الكبير في تلك الفترة من مشروع “ومضة” الى مركز وشركة “ستيج آرت” ومن ثم الى مشروع مسرح لأجل التغيير مع منظمة undp ودَرستُ التمثيل لمدة 10 سنوات وأكثر من تدريب وتأهيل وورشات عملية .. و هذه الوثيقة المخفية للفن ستظهر يوماً للعلن في زمان ومكان أنا أختارهما..

وكما قال محمد صبحي الكاميرات لا تذهب إلا الى التفاهة يا صديقي.. أليس البناء جوهر الفن؟ أنا أبني الهيكل الأساسي المتين.. وهناك من يعمل على إكساء نفسه بطريقته، فإما يكسيها بشكل متين أو تكون جاهزة للهبوط في أي لحظة إذا لم بعمل على تجديدها والحفاظ عليها..

  • ماذا عن الأفلام التي شاركت في مهرجان (كان ) وفازت وكنتم جزء منها؟

– نحن في شركة ستيج آرت كروب في الإمارات العربية نتعاون مع شركات عالمية ونسعى من خلال هذا التعاون إلى تدريب شخصيات العمل الأساسية في الأفلام والمسلسلات والتي يكون ممثلوها غالباً لا يعملوا في مجال التمثيل فنبدأ معهم من الصفر حتى لحظه الوقوف أمام الكاميرا. كما نسعى الى خلق فرص جديدة للكثير من الشباب ولكن فرصا تليق بهم وبنا ، أي ليست فرصا تحقق لهم النجومية بقدر ما تحقق اكتشافا لعوالمهم والبحث فيها على المدى الطويل.. وهذا ما كان لنا دور كبير فيه عندما أشرفنا على تدريب الشخصية الرئيسية الممثلة وعارضة الأزياء سيران رياك في الفيلم السوداني (وداعا جوليا) إخراج محمد كردفاني وإنتاج شركة ستيشن فيلمز والذي ترشح الى مهرجان كان السينمائي ونال جائزة الحرية ،وكانت أول مشاركة في التاريخ لفيلم سوداني يصل الى كان.. فمبارك لهم ولنا هذا النجاح الجماعي.. وهناك الكثير من الشراكات الجديدة والمهمة.. والتي سنتحدث عنها في آوانها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.