نتعلّم من غيابك – سامي سعد

17 فبراير 2024
سامي سعد – كاتب وشاعر مصري
منتصف فبراير منذ خمسة وعشرين عاماً ، الوقت مساءً ، في الغرفة التي كانت غرفة عرسي، في البيت الذي هو بيته، ممتلئ بالأهل والزائرين، تلك عادته في التفاف الخلق حوله، لم يشكو كعادته ألماً، وجهه بتمام أشراقه، تلك اللحظات التي يتعذر وصفها، أمسكت بيده، قبض علي يدي وأتكأ عليها، شعرت بروحه تغمر كل خلية في جسدي، كأنه كان يقص علي كل ماكان بيننا، عمر من التفاصيل، الرفقة، التجربة الأشمل، المحبة التي أعجزت الكلمات أن تحوطها،
منتصف فيراير، يترك ساحة الكد والمكابدة، يتوقف عقلي عن التذكار ، أتماسك للعبور من الوقت كما يليق به،
هاقد مر الوقت، رست السفائن على مرافئها، وعرف كلٌ مأواه، وحصيلة خطواته..
أشهد صادقاً غير حانث: ماغاب ذكرك وحضورك وغرسك يوماً مذ ذاك التاريخ.. حاضراً أشد حضوراً من الحاضرين، تروح وتجئ، تتحدث ويتحدث عنك من عرفك أو سمع منك أو عنك، ولاينتهي الحديث غير مشيعاً بجميل الثناء، عميق العرفان، والذكر الحسن، (لسان صدق في الآخرين).
نتعلم من غيابك، كما تعلمنا من حضورك الذي لايغيب.
المروءة لاتغيب، الكرامة لاتغيب، المعروف لايضيع.
نتعلم:
اليقين الحق، والصبر علي الأذى، الرأس الذي لايسجد لغير خالقه، الرحمة التي تسع الجميع، والقلب البحر، يقبل كل وارد دون أن يتعكر، غرس الشجرة ليأكل العابر قبل المقيم،
والثقة العارمة بعدل الله وواسع كرمه..
ذلك الحب يبقى، يزيد ولاينقص، نتوارثه ونورثه،  أغلى من كنوز زائلة، وعروض مستهلكة،
منتصف فبراير، منذ خمسة وعشرين عاماً.
لم نغير خارطة قلوبنا، نحج إليك صباح مساء، نحدثك ونسمع منك، نراك وترانا، نحفظك في دم أطفالنا، أغصان شجرنا، دعوات صلواتنا، فكأن ذلك اليوم هو اليوم،
ما تغير غير سيل الحنين إلى عناق، والتمتع برنين صوت، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر..
يا أبي وأخي وصديقي.. ماكنت في حاجة بالأمس، وليس لك اليوم حاجة لتعرف.. كم أحببناك بالأمس، وأننا اليوم لنحبك أكثر وأكثر ..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.