لا أحد يتذكّر ليمونةً بعينها

شريف المبروكي – تونس

هذه ليست صورة فوتوغرافية، إنّها لوحة فنية بريشة الرسام البريطاني بول ستون، تحمل عنوان “قابل للعصر”، وتنتمي لذلك النوع من الرسم المسمّى “الواقعية الفائقة” l’hyperréalisme.
قد تحتار العين البسيطة في هذا النوع من الفن في التمييز بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي، لشدة بريقها وحضورها.
ولكن الواقع ذاته ليس على هذه الدرجة من الدقة والنقاء والحضور الذي تقدمّه “الواقعية الفائقة”، بل هو غالباً لا يعطي نفسه لتمثّل والإدراك الحسي بمثل هذه الصورة البديهية الجليّّة للعين. الواقع هو شيء يجب انتزاعه دوماً من ذاته عبر توسّط ملكتي الحسّ والتخييل. الليمونة التي نراها في الواقع هي ليمونة لا على التعيين والتدقيق، بل هي ليمونة عابرة، مغبشة، ضبابية إلى حدّ ما ولا تستقر في ذاكرة أو وعي. فلا أحد يتذكر ليمونة بعينها، في كمالاتها أو نقصانها. أما الليمونة التي نراها في هذا الرسم فهي تحتلّ العين وتفرض حضورها الفاقع، وذلك لأنها ليست كما تبدو “واقعية” بل هي واقعية مؤمثلة idealized، ونموذجية وكأنها موديل رياضي مثالي لليمون.
الواقعية الفائقة ليست، بحسب ما أرى، واقعية في شيء بل هي مثال لواقع ما. الواقع الفعلي المتحرّك كما يقول برغسون هو أمرٌ صعب الإدراك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.