علي وهبي الدهيني: الشاعر محارب لا نجم!

2 ديسمبر 2023

حاوره: هاني نديم

يمّر علي وهبي الدهيني بقصيدته على تفاصيل دقيقة كالجرّاح، يمرّ بلغته الرهيفة يدمي ويداوي، ولهذا ربما نال ما ناله من خصوصية وجاذبية، هذا إلى جانب حضوره الكبير في المشهد الثقافي اللبناني والعربي، التقيته في هذه الدردشة السريعة عن الحياة والشعر..

سألته:

  • تكتب في الشعر عن الشعر، كقصيدتك “الشعر في ليل الهوى قنديل”، كيف تصف الشعر من خارج الشعر؟ حدثني عن مفهومك له، متى تكتب ولماذا وبأي طريقة؟

– إنّ الشّاعر ذو مزاج ٱخر ويذهب حيث تذهب أفكاره وحواسه، ودائماً يدخل في أيّ لوحة تمرّ بقربه مهما كانت عميقة ويغوص حيث لا يصل أحد ليملأ جيوب ذاكرته حيث تتجاذبه لغات الكلمات التي ترافقه، حيث لا تقلّ شراسة عن تراتيل الحوريات لأوديسوس المعلّق على سارية السّفينة.

بدايةً كلّ الحب للأقلام النبيلة والعقول المشرقة في المنصة الإعلامية نص خبر هذه المجموعة القابضة لإثراء المحتوى العربي. الحبيب هاني النّديم كلّ الشّكر لك ولهذه المنصّة الرّاقية العالية علو الابجدية .. ما تصوّرت يومًا أن أقف خارج القصيدة أو أخلع غيومها عن أكمام وجهي، أو أنظر إليها من بعيد لأراها عارية كأصداف أيلول فوق رمال صُور الشّقراء التي تناثرت كأنّها أفلتت من رباط البحر الذي شدّ على خصرها.

فالمشاهدة من خارج النّص تختلف تمامًا حيث ينتقل الشّاعر بطريقة لا إرادية إلى مستمع أو ناقد ولعل هذا الخروج من بطن القصيدة إلى خاصرتها أراه خروجًا جميلًا، حيث يختلف المشهد وتكبر مساحة الرؤيا لأنّ الشّاعر إذا لم يرَ قصيدته بعين المشاهد ويسمعها بقلب المتلقي لن يكتشف الخلل إذا كان موجودًا، ولن يستمتع بها بقلبٍ عانقته الحروف من بعيد .

 

بما أنّ الشّعر هو كتلة أحاسيس ومن خلال نوافذه نعانق أصابع النّور فأنا أراه يعزّز الإنسانية في داخلنا حيث يعتبر المدماك الأقوى والأشمل للحفاظ على هويتنا وتقاليدنا ولغتنا الأم ومن خلاله نستطيع الدّخول إلى ثقافات أخرى عربيّة كانت أو غير عربيّة. ومن هنا كان مفهومي للشّعر أنه يجمع كلّ الفنون حيث اعتبره العرب من الآداب الرّفيعة حيث يستطيع الشّاعر أن يكون موسيقيًا ورسامًا ونحّاتاً في بيت شعر واحد. أمّا طقوس الكتابة تختلف عند الشعراء قد يستطيع الشّاعر دائمًا أن يفلت من قبضة شيطانه الشّعريّ وإملاءاته عليه ويحلّق مع أسراب البجع بعيدًا بعيدًا لأنّ الشّاعر وحده الذي يمتلك لحظة الإبداع إذ يمكنه أن يمارس جنونه في الحقل والشّارع والسّيّارة والبيت والعمل حتى عند انتظاره لصديقته وهي تمشّط غرّتها.

 

  •  هل يعني لك الشكل، عمودي تفعيلة نثر الخ.. كيف تنظر إلى الشكل الشعري عموماً ولماذا ذهبت بالعموم للعمود؟

أنا أجد نفسي أكثر في القصيدة العمودية الخليلية مع احترامي لكل طرق الكتابة تفعيلة كانت أم نثرًا، المهم المضمون والمحتوى في القصيدة لا الشكل، فشعر التّفعيلة أو النّص النّثري لا أعتبره خروجًا على عمود الشّعر إنما هو خروج عن شكل القصيدة العمودية، ولقد ذهبت للقصيدة العمودية لأنّ الشّعر هو ديوان العرب، بينما النّثر لم يكن كذلك ابدًا، وبالمناسبة أنا أكتب القصيدة المحكيّة اللبنانيّة وطبعت ديوانا بهذا اللون (ناطور الورق) إضافة الى كتابتي للقصيدة الخليليّة، كما امتلك ديوانين بالفصحى (يقظة القوافي) و(وجهان من قبس) .. أما عن الشكل؟ ومن الواضح أنني أنحاز للشعر العمودي لأنّه الشّعر الأصعب والأكثر جماليّة وكل ما عداه لا اعتبره شعرًا.. إنما هو ينتمي إلى النص النثري الجميل.

تولد القصيدة ميتة إن لم تجد من يستمع إليها

  •  هل ولى حقا زمن نجومية الشعراء؟ أم تراها انزاحت نحو دروب أخرى؟ كيف ترى ذلك؟

– الشّاعر هو كالمحارب عليه أن يستريح أحيانًا لكي يكمل معركته من جديد بروح أقوى وعزيمة أشد، ولأن الشعر هو جزء لا يتجزأ من المجتمع ويتأثر دائما أكثر من غيره بالمحيط فالشاعر لو كتب كلّ يوم ولم يجد من يستمع إليه يبقى إحساسه بأنّ القصيدة ولدت ميتة. إذن الشعر لا تذبل أوراقه ولا تجف محابره ولا تسكت حناجره ابداً، ولكنه يتأثر بأوجاع الأوطان فيبتعد قليلا ثم يعود مجددًا شاهرًا سيف القصيدة.

 

 

  • عن عليّ خارج الكتابة.. عن موسيقاك المفضلة وكتبك المفضلة، الأصدقاء والبلاد والحياة..

– أن تكون شاعرًا يعني أن ترافقك الموسيقى وتحمل بين أضلاعك كتبك المفضّلة.. أنا شخصيا أنزاح دائما للموسيقى وخاصة رائعة باخ.. وكسّارة البندق لتشيكوفسكي، وأكيد الحركة الأولى لبيتهوفن، وقبلهم وبعدهم وبينهم فيروز.. فالموسيقى كما قال الشّرقاوي هي لغة الشعوب والوسيلة الوحيدة التي يتفاهم بواسطتها سكان الأرض.

أمّا عن القراءة فأنا أستمتع بالقراءة كمتعة الطفل بحضن أمّه فالقراءة هي العشق الأوّل للشاعر.. وإضافة إلى الكتب الشّعرية والأدبية المتعددة في المكتبة العربيّة أرى نفسي من عشّاق الأدب الرّوسي وخاصة رائد الأدب الرّوسي بوشكين في قصائدة الشّرقيّة.

بالنّسبة للأصدقاء يا صديقي، فهم من تذهب إليهم وانت مثقل بالهموم وتعود وأنت متأبّط بالفرح والسعادة. فالأصدقاء نعمة وأنا أملك من هذه النّعم أجملها وأغلاها. ويشدّني ما قاله عن الصّداقة باولو كويلو: “الصداقة كلمة ثمينة وجميلة جدًا لا تقال لكلّ إنسان”.

وماذا أحدثك عن البلاد؟ فرغم الوجع الذي يتقلّب على جسم لبنان فإني لا أرى أجمل من وطني تحت السماء وأحبّ السّفر كثيرًا لأجدّد من خلال بُعدي المؤقت عن وطني اشتياقا جديدا فوق اشتياقي.

أمّا عن الحياة؛ فأنا أعشق الحياة التي فيها الشّعر والأصدقاء والقراءة والموسيقى والسفر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.