عبدالغني المخلافي: وسائل التواصل ألغت “القطرية”

1 ديسمبر 2023

حاوره : هاني نديم

في خضم ما يلاقيه اليمن من ظروف واقتتال، عاد الشاعر اليمني عبدالغني المخلافي إليه، إلى مسقط رأسه ليعيش مع أهله ويكتب، هذه لحظة شعرية في حقيقة الأمر لشاعر أيضاً خرج عن النسق والسياق للموروث الشعري في لحظة شعرية أخرى. 

المخلافي الذي يكتب قصيدة النثر بأجمل تجلياتها، ضيف “نص خبر” في هذه الدردشة. سالته:

  • بودي أن أراجع معكم مسيرة قصيدة النثر اليمنية، ومسيرتكم الشخصية معها، كيف بدأت ولماذا كان هذا خيارك الشعري؟ 

– مسيرة قصيدة النثر في اليمن انطلقت بوقت مبكر تصدرتها أسماء شعرية بارزة، بعضها انتقل من ميدان قصيدة التفعيلة إلى مضمار قصيدة النثر ، ولحقت بها أسماء، كل اسم له بصمته وأسلوبه الخاص. وبالرغم من طغيان الشكلين التقليديين المتمثلين في قصيدة العمود والتفعيلية وتقليدية بيئة الشعر وسلفية المتلقي؛ إلا أن قصيدة النثر في اليمن قد حققت حضورًا مميزًا بعد أن أصبح لها جمهورٌ منفتحٌ على الأشكال الحديثة في الشعر والفنون الأخرى، مواكبٌ لكل جديد في وسائل النشر الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعية. لقد أزاحت منصات السوشيال ميديا التأطير والحصر أمام المهتمين بالفن والثقافة ووفرت الخيارات المتنوعة حسب ذائقة وتوجه المتلقي.

يوجد في اليمن اليوم جيل من الشعراء في قصيدة النثر تجاوزت نصوصهم التجارب الشعرية السابقة. فلم تعد قصيدة النثر بتلك الشروط والمعايير المتعارف عليها، إنما استطاعت أن تجد لها شكلًا مغايرًا، مستوعبة كافة أنواع أجناس الكتابة؛ فصارت هجينًا، معيارها الوحيد هو الفن.

مسيرتي في قصيدة النثر تجاوز عمرها عقدًا من الكتابة، وولادتها الفعلية في مجموعتي الأولى الصادرة عام 201‪5 في القاهرة. بعد محاولات كثيرة في قصيدة التفعيلية، والتي لدي منها مسودتان على مكتبي. بعد إصداري الأول تعاملت بمسئولية مع الكتابة، منخرطًا في الاجتهاد والمثابرة، مطورًا أدواتي ومحسنًا أدائي، مطلعًا على تجارب متنوعة في هذا الجنس من الشعر ، الذي وجدت فيه ما يناسب موهبتي، ويوافق ميولي ورؤيتي الحداثيين في كل مناحي الحياة وليس فقط في الفن.

بلغت إصداراتي ست مجموعات شعرية والسابعة قيد الطباعة. وأيضًا أصدرت مجموعة نصوص سردية، يكون مجملها ثمانية إصدارات خلال تسع سنوات. في هذه الآونة انتهيت من عمل سردي ذاتي، أعمل على تنقيحه وتعديله؛ وحالما أجده جاهزًا سأزج به إلى الناشر.

وجدتني في الوطن أدخل غربة أخرى حيث كنت غائبًا عنه طوال اثنين وعشرين عامًا

 

  •  تركت هجرتك وعدت إلى اليمن، حدثني عن تلك التجربة اليوم، عن اليمن وحياتك فيه، ماذا تفعل وكيف تعيش التفاصيل اليومية؟

– بخصوص عودتي بعد اثنين وعشرين عامًا من إقامتي للعمل خارجه؛ بلا شك في الأخير سيعود كل مغترب إلى وطنه إما باختياره أو تحت دواعٍ ما تجبره على العودة. فبالنسبة لي كانت هناك أسباب أجبرتني على العودة إلى أرض الوطن وهو يعيش في أوضاعه السيئة، و لا يوجد فيه جانب معافى. ففي كل الأحوال ليس أمامك سوى وطنك وإن كان من الرماد. ضمنت عملي السردي المعنون ب”خيار العودة” أسباب عودتي ولجوئي إلى السفر عن طريق التهريب؛ بعد أن تعذر عليَّ بالطريقة الرسمية وخوضي لمغامرة كادت تودي بحياتي إلى التهلكة ما بين حدود البلدين المشتعلة بالحرب.

وجدتني في الوطن أدخل غربة أخرى حيث كنت غائبًا عنه طوال اثنين وعشرين عامًا. صحيح أنني كنت أعود إليه بعد كل عام أو عامين، وأمكث شهرين أو ثلاثة في إجازة قصيرة أستهلكها مع العائلة والأقارب والأصدقاء. بعد عودتي وبقائي فيه وجدت فجوة واسعة بيني وبين الواقع والمحيط، صرت غريبًا عنهما؛ لم أعش في تفاصيلهما، إنما لجأت إلى العزلة.

شكّل انصدامي بواقعي الاجتماعي وظروفي التي كنت قد عشتها في الغربة قبل عودتي انفجارًا على هيئة نزيف يومي في الكتابة، نتج عنه مجموعتان شعريتان في قصيدة النثر وعمل سردي ذاتي خلال عام وخمسة أشهر.

 

أخرج من منزلي أحيانا إلى السوق لآخذ لوازمي ولوازم عائلتي وأعود الي أحضان القراءة والكتابة، مما جعل من هم في محيطي ينظرون نحوي باستغراب، كوني مهتمًا بالفن؛ وخاصة في مجتمع القرية، فهم يريدونك أن تتناول مواضيعهم اليومية؛ وغالبًا ما تكون مكررة وبلا فائدة؛ وإن حاولت التعاطي معها استنفدتك وأثرت على وقتك سلبيًا. وإن أردت أخذهم إلى مواضيعك الفنية والثقافية انفضوا عنك ورموك بالحسد والغيرة، ثم قابلوك بعد ذلك بالكراهية والعداوة. فليس أمامك غير عزلتك التي تجد فيها عوالمك الخلاقة ومتنفسك النقي. فقد أتاحت السوشيال ميديا فضاءً يختصر الأقطار والقارت والعوالم جميعا.

 

تجربتي الشعريّة والأدبية مقروءة أكثر خارج الوطن بفضل الحراك الإبداعي الافتراضي

  •  كيف تصف المشهد الشعري اليمني والعربي اليوم مع طوفان السوشيال ميديا، وبم تحدثنا عن نصوص من خارج اللغة؟

– لا نستطيع فصل المشهد الشعري اليمني عن المشهد الشعري العربي فقد استطاعت السوشيال ميديا أن تمحي القطرية وتجعل المشهد الشعري في البلدان العربية مشهدًا واحدًا. ما نطالعه من نصوص وتجارب إبداعية في مختلف ألوان الشعر والأدب وباقي الفنون، هو نتاج تلاقح وتماهي في القضايا والهموم والمعارف والمثاقفة بين المبدعين العرب. فتجربتي الشعريّة والأدبية مقروءة أكثر خارج الوطن بفضل الحراك الإبداعي الافتراضي.

“نصوص من خارج اللغة” مجلة معنية بالفن والثقافة يرأس تحريرها الشاعر والأديب الدكتور أحمد الفلاحي، عينني قبل أربع سنوات سكرتيرًا للتحرير في موقع فضاءات الدهشة التابع لمجلة نصوص من خارج اللغة ومديرًا لمجموعتها في “فيس بوك” أنشر نصوصًا لشعراء وأدباء من مختلف الوطن العربي والعالم؛ متعاونًا مع مدير المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، الشاعر والأديب، والفنان التشكيلي المسرحي حميد عقبة في إقامة أمسيات شعرية وأدبية لهم على منصة المنتدى عبر برنامج زوم، وبقي التعاون ساريًا حتى عودتي إلى اليمن فتوقف ذلك النشاط بيننا بسبب ضعف الإنترنت فيه.

في الختام سعدت بمحاورتكم لي، وإتاحة فرصة تحدثي في هذا المتلقى العربي؛ سواء كنت قارئًا أم مبدعًا. فلكم عظيم شكري المقرون بالحب والاحترام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.