عابد عازرية … الصوفي الذي ترجم «جلجامش» !

10 مايو 2023

وسام كنعان- دمشق

كلّما سنحت له الظروف، يعود المغني السوري عابد عازرية (1945) إلى هوايته الأولى، في اقتناء الأسطوانات واكتشاف الأقاليم البعيدة. يجالس الأصدقاء القدامى الذين نسج معهم ذكرياته على مرّ السنوات، من موسيقيين وشعراء وفلاسفة. هو يحملهم معه أينما حلّ، بل هو مسكون بأطيافهم. مجالسته تضعك في مناخات روحانيّة، وتدخلك دائرة الحكمة والتأمّل… هذا الرجل يشبه أغنياته إلى حدّ بعيد. كاهن أسطوري، يبحر عكس الزمن الاستهلاكي. سبق أن التقيناه في دمشق عندما أحيا حفل في «دار الأوبرا» في آذار (مارس) 2011 نتذكر يومها كيف مضى اللقاء سريعاً! تحدّث لنا حينها عن حلم يراوده: « بجمع لوحات البعل، آلاف اللوحات المرتبطة بهيكل إله الخصب، لإنجاز مسرحية غنائية». ما زالت في جعبة عازريّة مشاريع مدهشة، وأحلام كثيرة… رغم أن المشوار طويل امتد على مدار أكثر من 52 سنة من حلب إلى باريس وحول العالم. أصدر أسطوانته الأولى «الغناء الجديد للشعراء العرب» (1970)، وضمّت مجموعة أغنيات هي قصائد لمحمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وأدونيس، وخليل حاوي. حقّقت الأسطوانة نجاحاً لافتاً، لتتوالى بعدها الأسطوانات التي مزج فيها بين التخت الشرقي والغربي، من «ملحمة جلجامش» إلى «عمر الخيام»، مروراً بـ«توابل» (1989) و«نصيب» (1994) و«لازورد» (1995) و«أغاني الحب والنشوة» (2004) حين أحيا حفلته الأولى في «البيت اللبناني» في باريس، فوجئ بمسرح مليء بالجمهور. ميزة رافقت حفلاته في أنحاء العالم. كان أوّل من دعاه إلى إقامة حفلة طلاب لبنانيون، وهو يتذكر بيروت أيام زمان عندما كانت خزان ثقافة وموسيقى.

قرأ عازرية الحلاج، فتوقف مليّاً أمام قصيدة «يا نسيم الريح قولي للرشا». عندها، قرر «استعادة تجربة أولئك الذين رأوا الله على نحو يختلف عن العامة». هكذا لحّن القصيدة الصوفيّة، بما تكتنزه من أبعاد فلسفيّة وإنسانيّة. رغم عيشه في أوروبا، حافظ عازرية على مخزونه الشرقي، ما إن تتواصل معه حتّى تدخل دائرة من الحميمية والدفء والأمل… لكنه تخلّص أيضاً من التركة المزعجة، المثقلة بالعصبيّات الجاهليّة. احتلّ الحب هامشاً واسعاً في إبداعه. العشق الإلهي، والعشق الأرضي والإنساني أيضاً. ملذّات الروح كما أنشدها ابن عربي والحلاج، ومسرّات الحياة الدنيا كما غنّاها عمر الخيّام. تزوّج أكثر من مرّة، وأنجب ولدين، لكنّه يحرص على إبقاء العائلة بعيداً عن الحيّز العام.

يحلّ عازرية، السبت المقبل ضيفاً على برنامج «محاور» الذي يقدمه وسيم الأحمر على قناة «فرانس 24». ويفتح الفنان السوري الشهير قلبه لمضيفه للتحدّث في شتى المجالات الفنية. كما يلقي الحديث الضوء على صدور طبعة جديدة من «ملحمة جلجامش» في كتاب باللغة الفرنسية من ترجمة عازرية. كما يقلّب صوراً جديدة للآثار والرقميات التي تجسّد رواية «جلجامش» للمصور الفرنسي جان كريستوف بالو، معرّجاً على أهمية نص جلجامش الفلسفي والشعري، والتساؤلات التي لا تزال يطرحها بعد خمسة آلاف عام.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.