” تُفاحٌ” نابتٌ من الروح – رباب اسماعيل

رباب اسماعيل – كاتبة سعودية

تعرّفتُ على يُسر حامد صدفة، عبر إذاعة مونت كارلو، ومنذ استماعي إليها في ذلك الصباح، أكملتُ يومي وأنا أُعيد الاستماع إلى ” تُفاحها ” حاولت أن أكبح جماح البحث والتنقيب عن تفاصيل هذا العمل، من أجل رصد انطباعاتي دون أي تأثير، حتى من قبل أن أتعرف على ملامح صاحبته. أول ما خطر لي هو أن تكون هذهِ الأغنية من الثرات الفلسطيني.

بحثت عن بعض المعلومات البسيطة التي تقول أن هذهِ الأغنية من كلمات وألحان يُسر نفسها. وبالتعاون مع ميساء ضو. “ربطتْ” قلبي منذ مطلعها: “مربوط قلبك بالهوا مربوط “. تناهى إلى ذهني عوالم من العشق والارتباط: فلسطين الأرض وعذابات التمسك بتراب يُسقى يوميًا بالدم والدمع.

الزغاريد في فلسطين كان لها رجع “الجلوات” في أعراس الخليج. الهوية، بحة الصوت، بعابود، حيفا وبحر أسدود.. عمل يحمل من الكثافة التي تستطيع أن تقرأ فيه بلاد كاملة بتضاريسها، وتاريخها، وناسها. عاداتهم وفنونهم وعذاباتهم. وداع العروس بالدموع، عند خروجها من بيت أهلها هذهِ الحالة العجيبة، الفرِحة والحزينة في آن، بكل ما تفتح من أبواب التأويل والتخمين، وعادات الزواج وأحواله وأهواله خاصة بالنسبة للمرأة العربية.

التجلاية وسبع أثواب ملونة ترتديها عروس فلسطين، أو الجلوات والسبع “مشامر” ملونة تُرفع تِباعًا على رأس العروس في الخليج، يُمسك النسوة بأطرافها مع ترديد الأغاني والأهازيج الخاصة بهذا الطقس – “التجلاية أو الجلوات” والواحدة منهن تُسمى “جلْوَة” والتي تعود في تاريخها إلى آلهة الخصب عشتار آلهة الكنعانيين والتي سكنت وجدان المشرقيين، فتبنتها ثقافتهم، وسكنت أراضيهم، حتى وجِدَ تأثيرها وآثارها على معظم الساحل من بحر الخليج حتى أرض الرافدين وضفاف المتوسط.

ليس بعيدًا عن نقوش الحناء وامتداد الكحل ورائحة الريحان وعطر التفاح؛ أخذتني يُسر حامد بفن منفتح على إنسان اليوم، بهوية مُتجذرة بالكينونة الخاصة، والمُنطلق نحو عوالم من المعاني والثيمات. يُسر التي بدأت مشوارها الفني كعازفة على آلة القانون، تنطلق في ألحانها نحو ألوان موسيقية متنوعة ومُعاصرة. تُحيلنا هذهِ القراءة وتحليل “خطاب” هذا العمل الفني إلى “الميديولوجيا” كما طرحها ريجيس دوبريه، باعتباره الفن كواحد من الوسائل الاجتماعية الرمزية، التي تُعالج الوظائف الاجتماعية العليا أي البنية الفوقية أو المعرفية المتعلقة بتنظيم الأفكار. إذ يُفهم هنا الدور المقاوم للفن كواسطة أكثر تقدمًا وانتشارًا في العصر الحالي، ومن هنا تُحدَّد قيمة ما يطرحه هذا الفن، من خلال قدرته على نقل الرسائل بشكل سريع وواسع، ممَّا يجعل من فلسطين البشر، الأرض والتاريخ عصيةً أكثر على المحتل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.