في التأثير والتأثر، في تشابه النصوص واختلافها – زهراء حسن

26 نوفمبر 2023

زهراء حسن – شاعرة وكاتبة من العراق

“في التأثير والتأثر ، في تشابه النصوص أو اقترابها مع نصوص آخرى واختلافها في بنيتها”

لايمكن لكاتب او شاعر ان يكتب نصه من فراغ، فكل النصوص تأتي نتيجة قراءات مسبقة او فكرة مسبقة او فكرة حاضرة أو صورة في الطبيعة تلقي بضوئها وظلها على روح الكاتب، أو ربما جملة عابرة قيلت لغريب في الطريق، قالها وعبر، فالتقطتها أذن السامع وصارت نصا، المعاني مطروحة في الطريق، كما قال الجد الأقدم، الجاحظ.

لذا لايكتب الكاتب نصه من فراغ وهذا ياتي نتيجة التأثير والتأثر، مع استقلالية الكاتب في قاموسه اللغوي واستقلاله بفكرته التي سيطرحها مع ارتباط الفكرة بما سبق، وأريد أن أذكر نصوصي التي تضمنت أفكارا قرآنية، أو قصصا، فأنا من المعجبات جدا بسورة مريم وقصة زليخة ويوسف، لما فيها من جذب وشد، ولكن كيف ظهرت هذه القصص عندي؟ التي لم تكن تقليداً ولا آخذاً من احد، وانما هي امتزاج الحياة من ايام الصغر والصبا، ففي كل صباح يقوم أبي من النوم فيقرأ سورة ياسين حفظا على الغيب، ثم ينفخ في الاتجاهات جميعها، لحماية بيته وأولاده، فقد كنت أصحى كل يوم من النوم على صوته وهو يقرأ سورة ياسين، من هناك، من تلك اللقطة في ذلك الزمن البعيد، التصقت المفردات القرآنية في عقلي، وظهرت الآن في نصوصي بشكل واضح أدركه تماماً، فلست أول واحدة تتأثر بالمفردات القرانية وقصصها، فقد سبقني إلى ذلك الكثير من الأسلاف، أما قصة يوسف وزليخة فقد ظهرت في نصوصي كتمويه على تجربة معاشة ،ظهر فيها يوسف كبطل في هذه القصة ، لكن لاعلاقة بنص يوسف وزليخة بقصتهما بل ذكر اسمهما ،وذلك لتأثري الشديد بهذه القصة التي جاءت كرواية مضافة على النص الأصلي القرآني، حين حكت لي أمي عن زليخة التي رويت لها من أمها وهذا مايسمى “بقصص الشعوب” المتدوالة من الأجداد إلى الأحفاد.

حكت لي أمي قصة زليخة حين هرمت وفقدت بصرها، وكيف مر يوسف بها، وهي تجلس على ناصية الشارع عندما قالت له: -أشم عطر يوسف. هذه الجملة “أشم عطر يوسف” التي علقت في البال دونا عن الحكاية كلها، فظهرت في النصوص وشم عطر يوسف من بين السطور ، قادما من حكايا أمي، تلك هي نصوصنا الأولى في الحياة أو قل تلك هي المؤثرات الأولى في التكوين الشعري والقصصي. قبل أيام ليست ببعيدة سمعت جملة “كلنا في النهاية نعود الى بيوتنا”. ووقعت هذه الجملة في أذني موقع السحر فنتج عنها نصا بالكامل يعود أساسه إلى هذه الجملة الوحيدة التي سمعتها، ولو لا خجلي لقلت للذي قالها إن هذا النص الكامل جاء من جملتك الوحيدة.

الكاتب /الكاتبة ،الشاعر /الشاعرة يعرفون بالضبط صدق نصوصهم وأصالتها وأنها تعود لهم فعلا وبنفس الوقت تحمل آثار الاسلاف، فقد تؤثر بي صورة عصفور يحلق ويطير فيظهر نصا عن الحرية حيث تختفي الطيور في مكان ما خلف هذا النص تماما، وكم كتبوا قبلي عن العصافير وعن فكرة الحرية المرتبطة بالتحليق، فلست أول من يكتب للعصافير ولست أول من يرى ان التحليق له علاقة بالحرية، لكني أحب لنصي أن يكون متفردا في مفرداته اللغوية وأن يكون مختلفا لا مقلدا، ولا أجبر نفسي على الإطلاق على الكتابة ليتميز عن الآخرين، غير إني صادقة للشعر وفي الشعر، وأتركه يأتي على سجيته مع التعديلات اللغوية، وقد لايضيف شيئا للحياة، وقد يكون عابرا، لكن من المهم عندي في هذه اللحظة التي يريد فيها “الشعر تحديدا” أن يكون حاضرا وموجودا. وأنا احترم حضوره الكامل فاكتبه على سجيته التي جاء بها إلي.

ويرتبط موضوع الشعر عندي وفطرته لجواب بعيد على سؤال طرح علي وأنا في التاسعة أو العاشرة من العمر : -ماذا ستصبحين في المستقبل؟

وأجبت : -شاعرة . لم أكن أعي جوابي ولم أكن قد أدركت الشعر وعرفته ولكنني كنت أعرف ما سأكونه في المستقبل دون توضيح لذلك الجواب.

كتب الجواهري ذات يوم عن الشعر في مذكراته ذكر فيها متى بدأ الشعر عنده حين قال “مذ كان نطفة في رحم أمه” هذا الجواب الدقيق يعود للجواهري ربما نشعر به لكننا لا نجيد التعبير عنه، أو نتذكر كيف كنا نطفة هناك نحمل معنا تاريخ الحياة الذي لم يبدأ بعد.

إذاً يولد الكاتب كاتبا، والشاعر شاعرا، والمهندس مهندسا، كل يحمل في جيناته فكرته عن نفسه، فيولد الشاعر شاعرا ويقوده شغفه بالشعر الى قراءة الأولين، وتظهر نصوصه مطعمة بقراءته، فلا تأتي الكتابة من فراغ والنص الذي يأتي من فرا غ يكون فارغا فعلا.

في الفترة التي نحياها ال’ن مع ظهور الفيس بوك وكل المنصات والتطبيقات وصار أحدنا يعرف الآخر ويقرأ للآخر، وهذه فوائد مضافة وجميلة ان نتعرف على بعضنا البعض ونقرأ لبعضنا البعض ،ونناقش بعصنا البعض، فتتطور أفكارنا وتنتج عنها أفكار جديدة، ومع ظهور المنصات ظهرت السرقات الفكرية والأدبية بصورة لافتة للنظر، فهناك من يأخذ نصاً ويذيله باسمه، وهناك من يكتب منقول دون ذكر اسم الكاتب او الكاتبة وفي هذا خمط كبير لحق الشاعر والكاتب، أو الشاعرة والكاتبة في حقه /حقها أن يكون اسمه مذيلا تحت فكرته ونصه، وهذا حقه، لا منّة لأحد عليه.

في الختام أود أن أقول إن الذي يسرق المال ويسرق جهد الآخرين ويستغلهم، ولديه ضعف كبير في مفهوم العدالة والذمة والضمير، سيسرق حتما نصوص غيره، لا يطاله الشعور بالذنب أبدا، أما الذي لم يكن سارقا ولا مراوغا ولا كاذبا، ولديه قوة إحساس بمفهوم العدالة والضمير لن يسرق نصا، فالذي لا يسرق بيتا ولا يستغل جهد الآخرين، لن يسرق نصا حتما .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.