سوزان نجم الدين … العفوية في أبهى حالاتها!

15 مايو 2023

وسام كنعان- دمشق

عفوّية النجمة السورية سوزان نجم الدين غالباً ما تودي بها إلى مآلات غير محسوبة، وتوقعها في شِرك السوشال ميديا والانتقادات التي لا تعثر على جوهر الصدق الطافح والفطرية المفرطة في تصريحاتها وأحاديثها، بقدر ما تلتقط الهفوات، وتلهث وراء الهنّات، وتتصيد الزّلات، وتعتبرها خطيئة تستحق بسببها الهجوم اللاذع! لكن  كلّ ما تعرّضت له سابقاً من هجومات وآراء سلبية بعضها غير متوازن، لم يثنها يوماً عن الصراحة المطلقة والظهور الإعلامي بأريحية شديدة. هكذا، تمتاز الممثلة المرموقة بإنسانيتها قبل كلّ شيء، وتعتدّ بأخطائها كما تتباهى بإيجابياتها. سمتها الظاهرة اعتدادها المطلق وترفّعها عن حركات الادعاء والزيف التي تحكم سلوكيات جزء من عالم النجوم. إذ يمكن لها أن تبحث مطوّلاً في حفل ما عن صديق قديم، لتلقي عليه السلام متجاوزة كلّ البروتكولات البلاستيكية، والمظاهر الخدّاعة والكاذبة. لكّنها في المقابل لا يمكن أن تهادن مع شركات الإنتاج مثلاً، أو تتنازل عن شروط التعاطي معها كممثلة محترفة ونجمة صف أوّل. لذا هي لا تشتغل بمنطق مكثّف أو مزدحم، إنما تكتفي بعمل واحد في العام أو كل بضعة أعوام. دون أن تحيد عن شروطها الصارمة ربما، وذلك وفق ما يصنّفها المنطق الانتاجي. وسّعت لنفسها مطرحاً محترماً في الدراما المصرية، وتريد لنفسها أن تكون سفيرة بلادها أينما تحلّ! يؤخذ عليها أنها نجمة التكريمات، لكّنها بمقابل ذلك تطلعنا على عدد المهرجانات التي ترسل وراءها كي تكون مكرمة على منصاتها واعتذاراتها عن عدم قبول تلك الدعوات! هذا العام حصدت سوزان نجم الدين قبولاً صريحاً وإشادة عميقة بأدائها الرزين لشخصيتها في مسلسل «مربى العزّ» (كتابة علي صالح وإخراج رشا شربتجي)  وبهذا العمل تعيد تطبيق وصفتها المحببة في التجسيد….  منذ الحلقات التمهيدية الأولى لظهورها في أي مسلسل تؤدي فيه سوزان نجم الدين دوراً جديداً، تبدو قادرة على تلقّف مساحتها الوفيرة من الضوء في كلّ ما تجسده. هكذا، تستعير من طاقتها التي لا تنضب،  كأنها في عزّ بداياتها والسنوات الأولى لانطلاقتها عندما لعبت دورها الشهير في «نهاية رجل شجاع» (عن رواية حنا مينه سيناريو وحوار حسن م يوسف وإخراج نجدت أنزور).

تجسّد تجم الدين بحضور طاغ، وجرأة تسبكها على القالب… بمعنى أنها تمنح الشخصية حقّها، لكن بضبط عالٍ، أي من دون مبالغات أو تهويلات، أو استعراضات لا طائل منها. تتغّير نبرة الصوت نحو الحدّة عندما يحتاج ذلك دون أن يفقد بحّته الآسرة وقدرته على التأثير المفرط في المتلقي. بالصوت وحده قادرة على اللعب والإقناع، فيما لا تمسك نفسها عن الشغل الجوّاني والتعاطف مع الشخصية لو تطلّبت ذلك بل  تهوي نحو صدق إنسانيتها لحدود قصوى. البراعة الأدائية عند نجمة  الدراما السورية تأتي من قدرتها على مزج الحالة النفسية للشخصية بشكلها الخارجي، وإجادة ردود أفعال حرّة ، ثم القدرة على استخلاص تعبيرات عميقة.

تجرّب نجم الدين أن تكون في كلّ عمل تؤديه، بمثابة كلمة مفتاحية للحكاية، فتميل نحو الأداء المهذّب والمعافى تماماً من الانفعالات الخارجية في غير مطرحها، أو الانكفاء نحو الشغل البرّاني واستعراضات الصريخ والعويل باعتبارها أساليب بائدة في فنّ التمثيل! الاجتهاد سمة الشغل والضبط بعين المخرج يتجلى في أعلى حالاته. إذ يشهد لها غالبية المخرجين الذين اشتغلت معهم بانصياعها المطلق لتعليمات المخرج، دون أن يحرمها ذلك لغة الاجتهاد العالية، بل بمسك معتدل لعصا الأداء من المنتصف: قسط للاجتهاد ووجهة النظر الشخصية والوعي الذاتي، وقسم للطواعية والمرونة والديناميكية التي يجب أن يتحلى بها الممثل طالما أنه آمن بتسليم نفسه لربّان وقائد هو مخرج العمل!

سبق وأن خاصت نجم الدين تجارب إنتاجية ربما ستتكرر لاحقاً. وخلال هذه التجارب حرصت على تصدير صورة محترمة عنها كمنتجة فدفعت بشهادة من عمل معها أفضل الأجور وقدّمت صيغة موغلة في الاحترام لكل الفريق، ودأبت على أن تترك صيتاً وسمعة طيبة حتى مع من تختلف معهم مهنياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.