سارة الزكرّيا … من قرارات المنع يولد المزيد من الانتشار!

11 سبتمر 2023
نص خبر- وسام كنعان

من «تجي نتجوز بالسر» إلى المناجاة الآسرة لزميلها مهند زعيتر بأغنيتها الشهيرة : «مهنّد مهنّد تقبر قلبي مهنّد» مروراً بـلازمتها المعتادة: «سكسكيوزمي من الجميع» وشيفرات نجاحها المتعددة مثل: «بيبي» و «أسمِع» باللهجة البدوية، وانتهاء بملاطفتها الجمهور المصري بسؤال أحد عناصر فرقتها: «همّ يا ياسر كلّهم بيضربوا برشام ولا إيه» طبعاً سيتخلل ذلك سمفونية: «لاسكر وأدوب وأشرب حبوب، وأنا راسي بيوجعني من الويكسي المضروب».. ذلك اختصار مكثف لملامح من مسيرة مغنية الملاهي الليلية اللبنانية سارة الزكريا!

ومع ذلك لا يمكن القول بأنها بمصادفة ما، حققت كل ذلك النجاح الجماهيري الكاسح، والانتشار المدوّي على السوشال ميديا، من ثم تحولت إلى قضية رأي عام، لدرجة أصبحت فيه محط اهتمام، ومطرح مترف بإثارة الجدل، بسبب القرارات الإقصائية التي اتخذت في مواجهتها في أكثر من بلد عربي، هنا كان طبيعياً تلقّفها من مقدمي البرامج اللاهثة وراء الترند أمثال: هشّام حدّاد ورابعة الزيّات!

كاريزما تتسيد مشهد الملاهي الليلية

عموماً تمتلك سارة الزكريا كاريزما ما، ومقومات معيّنة، تؤهلها بجدارة لأن تتسيد مشهد الملاهي الليلية! وأن تكون قريبة من جمهورها الذي يحب أصلاً كل مغنية  تحكي معه دون حواجز، على أن يتخلل وصلتها جرأة تقديم أغان ربما كانت حكراً على مغنين رجال، ولعلّها تنجز له «فشّة خلق» ببعض الشتائم التي يتداولها الشارع العربي بكثافة عالية، إضافة لبعض الحركات والرقصات، التي تنضوي على إيحاءات حميمة. كما أن المغنية اللبنانية تلك تملك خفة ظل واضحة، وعفوية صريحة… هذه مسائل تزيد من حدود مطامحها، خاصة عند شريحة من السمّيعة أو «الرقيصة» إذ صحّ التعبير، لا تفكّر نهائياً بالسوية الموسيقية والغنائية التي تسمعها، إنما ترجو الشعور بالسعادة وتحقيق رفاهية السهر الليلي بأعلى درجات الانفصال عن الواقع المأزوم.

قصّة المنع بدأت من مكتب نقيب الفنانين السوريين محسن غازي الذي اشترط لإقامة حفلاتها توقيع تعهّد بعدم التلفظ بكلمات بذيئة على المسرح، وذلك رفقة زميلتها ريم السواس، والتي ردّت عليه بأول حفلة لها خارج سوريا وبعد إمضائها التعّهد بإعادة تدوير مقطع من أغنية صنعتها السوشال ميديا تقول فيها: «أخذوني ع الرازي (أي مشفى الرازي) جلطني محسن غازي»!

تحقيق في مصر

هكذا، صارت زكريا ومعها السواس أكثر شهرة، وربما زاد الطلب عليها في محلات السهر، ثم اصطدمت سارة في الأسبوع الماضي باستدعائها إلى التحقيق من قبل «نقابة الموسيقيين المصريين» ليتوّج  الأمر بقرار منعها نهائياً من الغناء في مصر، بسبب قولها بعض الكلمات النابية على المسرح في إحدى حفلاتها المقامة أخيراً هناك، وممازحتها واحداً من عناصر فرقتها بسؤاله إن كان الجمهور يتعاطى المخدّرات: «همّ يا ياسر كلّهم بيضربوا برشام ولا إيه؟» ثم انتشر مقطع مصوّر لها أثناء التحقيق تفيد فيه بأنها: «لم تقصد الإساءة وتعتذر إذا أخطأت» ومع ذلك منعت من الغناء في مصر، ليصدر في الساعات الأخيرة قراراً مشابهاً من «نقابة الفنانين الأردنيين» بمنعها نهائياً من مزاولة النشاطات الفنية في الأردن، وبالتالي إلغاء حفل كان مقرراً لها في أحد أماكن السهر، بعد أن أحيت حفلاً جماهيرياً في الحادي عشر من شهر آب (أغسطس) الماضي.

عموماً مهما كانت الحالة التي تقدمها المغنية اللبنانية رفقة شبيهات عدّة لها بعضهنّ ينحدرن في المستوى أكثر، ويقدمن إيحاءات جنسية صريحة، إلا أن ثقافة المنع والإقصاء غير واردة بالفن إطلاقاً، و لن تستطيع النقابات أن تنجز منعاً فعلياً بوجود السوشال ميديا مثلاً، كما صدرت سابقاً قرارات هائلة في مصر لمنع مغني المهرجانات، لكنهم لم يتوقفوا، بل زادوا انتشاراً وشهرة، بذريعة ما حققته لهم تلك القرارات بمزيد من التداول، وربما خلق حالة من التعاطف، على الأقل عند من يفكر بضرورة التوقف عن المنع، بكل ما له علاقة بالفن، بالإضافة إلى أن هنالك من ينسجم مع فكرة ضرورة وجود المبتذل والرديء، لكي يستطيع الجمهور تذوّق القيّم والثمين، بالإضافة لحرية هذا الجمهور أن يأخذ المنحى الذي يريده، ويسمع ما يبتغيه، بدون رقيب أو وصي. ولن تتمكن كل القرارات النقابية أو الهيئات الحكومية الشبيهة أن تجعل من نفسها حارساً على الذوق العام. إنما كل ما يمكن فعله بمواجهة موجات الرداءة هو ظهور حالات نقدية موسيقية، تثقف المستمع وتحرّضه على التماس الوازن من المتهاوي! ثم لابد من توسيع المنافذ، وتكريس الضوء الإعلامي حول المواهب الحقيقية، ليكون هناك حضور  مكثّف للفن الرصين، حتى لا تبقى الساحة مفتوحة للمواهب المبتذلة والأصوات الرديئة، ونوعية غناء شعبية تواجه بطبيعة الحال تلك الاتهامات، فمن يقصد الملاهي الليلية لا يمكن له أن يتمايل على أنغام أم كلثوم، وتطربه فيروز، وينعش روحه محمد عبد الوهّاب وصباح فخري، أو يتجلى تماهياً مع الغناء الصوفي مثلا، لذا فإنه غالباً سيذهب ليسمع سارة زكريا وريم السواس، وأسماء كثيرة من هذا النمط، بعضهم قدّم إضافة للابتذال نوعية غناء طائفي تدار كلّها على إيقاع واحد من الطبل والزمر…

ها آرتس.. تيجي نتجوز بالسّر

بالعودة لمشكلة سارة زكريا ، فالأكيد أنها كلّما منعت في بلد، سيزداد عليها الطلب في بلد آخر، عدا عن  أن السوشال ميديا مصدر دخل وانتشار حقيقي، وقائمة الممنوعات فيها مرتبط بالتحريض أو العنف و الجريمة، أو المواضيع السياسية التي لا تروق للسياسية الأمريكية! لذا لا يمكن أن تمنع أغاني الزكريا وهي من أكثر المغنيين في المنطقة ، تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حققت قناتها على يوتيوب أكثر من 124 مليون مشاهدة، في حين تحظى بقرابة مليون و100 ألف متابع على تيك توك، وأكثر من 4 ملايين و500 ألف إعجاب على المحتوى الذي تنشره.

في حين شاركت في الجزء الثالث من مسلسل «للموت» (كتابة نادين جابر وإخراج فيليب أسمر) بأغنية خاصة بعنوان «دُشَش» كتبت خصيصاً للمسلسل الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي.

الظاهرة الملفتة بأن جريدة  هاآرتس الإسرائيلية نشرت تحقيقاً عن انتشار أغنية «تجي نتجوز بالسرّ» وتداول جمهور الاحتلال كلمة «بيبي» بكثافة شديدة، وهذا إذا أخذ بمنطق البراءة فيمكن القول أن صاحبة الأغنية وصلت إلى جمهور العدو، أما إذا أحيل إلى نظرية المؤامرة يمكن الوصول إلى استنتاجات مهولة بأن هناك من يعبث بسوية الذائقة العربية ويريد إبعادها عن قضاياها الجوهرية!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.