1 يونيو 2023
وسام كنعان- دمشق
عندما كانت دمشق تزهو بمبدعيها في عصر ذهبي، كانت حصّة المسرح لفوّاز الساجر وسعد الله ونوّس، والأدب لممدوح عدوان، والشعر لنزيه أبو عفش، بينما تسيّد يوسف عبد لكي مشهد الفنّ التشكيلي! كان في ذلك الوقت يرسم أحصّنة تصهل كنوع من التعبير عن حماس المرحلة ولهيبها وحراكها المتقّد دوماً! أحصنة تحطّم قيودها وتصهل عالياً في رفض التعسف والاستبداد. بحسب تصريحاته لنا مراراً لقد كانت لوحاته في تلك الفترة جزءاً من حراك ثقافي واجتماعي وسياسي شامل في كل حقول الإبداع، وقد وجد نفسه في قلب هذا الحراك إذ لم يكن خياره، دون أن يشعر يوماً بالندم على ما فات. لتتغير طريقة عمله لاحقاً تبعاً للنضج والوعي الاجتماعي والمهني، وربما تماشياً مع المحيط وما يستلهمه من معاصرة الأهوال!
الرجل الذي أعتقل أكثر من مرة بسبب توجهه اليساري، وأحلامه بالحرية والعدالة والمساواة، لم يتعاط يوماً مع أحد بشكل إقصائي، كما أنه لا يصادر حرية التعبير عن أحد. ربما السلوك الوحيد القمعي الذي تورّط فيه بذريعة الشغل هي العبارة التي كتبها على باب مرسمه في حي ساروجة الدمشقي «مدّة الزيارة نصف ساعة». بينما ظلّت حياته مفتوحة على الاحتمالات وترك الفرصة الوافية للآخرين لكي يختاروا المكان المناسب دون أن يصيروا خصوماً. هكذا، وبهذه العقلية الديمقراطية، وهذا الفكر اليساري رفض الجنسية الفرنسية بعد إقامته هناك أكثر من 25 عاماً باعتبار أن باريس مجرّد «صالون انتظار» من وجهة نظره. فيما رفض أيضاً فكرة السفر والخروج من بلاده رغم حمّام الدم الذي تعرّضت له منذ سنة 2011 ورغم مواجهته هو شخصياً باعتقال آخر دام قرابة شهر عانى فيه الكثير وخرج شبه هيكل عظمي، فاحتفلت به دمشق المسيجة بالقسوة والجلافة!
البلد هي الأولية بكل شيء لا يتركها حتى النهاية، لدرجة تراه يشارك في مهرجان شبابي مثل مهرجان «الدلبة» كعضو لجنة تحكيم ويخرج ليصرّح عنه متمنياً ألا يتوسع بل أن يتعمّق، بمعنى أن تكون خياراته أدق وأعلى بالنسبة للرسّامين والنحاتين والسينمائيين، فهناك الكثير من المهرجانات الكبيرة والمنظّمة لكنها تتجه صوب الدعاية والإعلان وشيء له علاقة بالـ «الديماغوجيا» لكّنه ظلّ يفضّل مهرجاناً صغيراً لكن نوعياً، يعطي للناس فرصة حقيقية في التنفس بثقافة حرّة!
هذه ملامح من منطق وأسلوبية حياة وشغل يوسف عبدلكي الذي سيحتفي يوم الأحد القادم الموافق للرابع من حزيران (يونيو) بافتتاح معرض في صالة جورج كامل – المزة – خلف اتحاد الكتاب العرب.