زهير كريم عن نورا ناجي: أثر الجرح المفتوح

24 يناير 2024
زهير كريم – روائيوقاص وصحافي عراقي
قدمتَ الرواية المصرية ( الرواية التي كتبها مصريون) خلال السنوات القليلة الماضية، نماذج سردية كثيرة جدا، كان مركز الحبكة فيها_ بتنوع اساليبها ومستوياتها الفنية_ ثورة يناير. نصوص حاولتْ استعادة الحدث، بوصفه ذكرى متوهجة تحمل في داخلها جرحا أو لكمة على القلب، فكان السرد في مجمله أشبه بالمقاربة بين استعادة الحدث، تفكيكه من أجل فهمه، وبين تدوينه من أجل الشفاء منه إلى الابد بوصفه تجربة تاريخية تتعلق بحياة سياسية لأمة كاملة، ووجدانية خاصة بشخص، كنجربة فردية، وإنسانية على المستوى العام الذي يتعلق بالحريات وحلم التغيير. لكن مقاصد الاستدعاء ايضا لا تبتعد عن عملية تحويل الألم إلى فن.
ومن بين تلك الروايات، جاء العمل الأخير لنورا ناجي (سنوات الجري في المكان)، محاولة لتتبع أثر الجرح المفتوح، والكشف عن غير المرئي في حياة اصدقاء جمعهم ميدان الثورة والفن والحب. النص يخلو من سمات البطولة التي ترافق عادة بناء الشخصيات الثورية، يخلو كذلك من الفقرات ذات الطابع الحماسي في لغته، لم تبنبعث من على صفحاته صرخة استياء ، ولا محاولة لتفكيك أخطاء ماضية، بل هو خطاب تخييلي( تجريبي) اهتم من ناحية الاسلوب بتوظيف اشكال سردية مختلفة، مع استدعاء لتقنيات الفن التشكلي وفلسفة الألوان, ومن جهة الثيمة، اهتم بشكل مكثف بفكرة الألم، او بالحلم المجهض الذي لايمنح المستقبل صورة مبهجة.
والرواية تجري أحداثها في المكان نفسه مثل شخص يجري في النقطة ذاتها، فبعد مرور عشر سنين، شخوص الرواية لم يغادروا اللحظة كما لو أن لاشيء تغير حقا، رائحة الدم التي هبط من جسد (سعد) نفسها، وصوت الحلم الذي اختفى فلم يبق منه سوى تلك الذكرى الأليمة، أما الاصدقاء فقد تفرقت طرق حياتهم، ومصائرهم، لكنهم عالقون في لحظة الحدث كما لو أنهم لايبحثون في اي شيء عن فضيلة او تزييف، إنهم يهربون من مصائرهم وإحباطهم الى الذكرى كمأوى للدفء. يستعيدون حيوات بعضهم، في اكثر الاجزاء ألما ليطهروا شيئا ما ملتهبا في ذواتهم، ليقدموا مرافعات لاتنطوي في النهاية على إدانة او تبرئة، بل هي خطابات يحاولون من خلالها كشف الجرح ،تعريته أمام انفسهم اولا، ربما للتخلص في لحظة شجاعة من كل الهواجس التي تُشعر الجميع بالذنب او بالخسارة، كما لو ان النتائج لاتعني شيئا، ماهو مهم حقا هو البقاء في المكان ذاته، الحلول في لحظة الانغماس في الذكرى والتي تأخذ شكل اللعنة في بعض زواياها.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.