الهادي الحزيري عن كاظم حجّاج: أيقونة العراق وحارس البصرة

12 فبراير 2024

نص خبر – متابعة

كتب الشاعر التونسي الهادي الجزيري عن كاظم حجاج شاعر العراق والعرب في “أثير”: اليوم يختتم العراق الدورة 35 لمهرجان المربد، وككلّ مشارك أحاول أن أقبض على حلم ما أعود به إلى بيتي، فوجدت هذا السامق واقفا حارسا للبصرة رغم خيانة الجسد بعد أن قطع معه كلّ هذه المسافة بين ميلاده وشيخوخته البادية على ملامحه ..

رأيت الشاعر الكبير والمعلّم الفذّ كاظم الحجّاج في وسط الزحمة المباركة لضيوف المربد، فصعقت كيف أبادره ولم أره منذ مدّة، منذ خاتمة القرن الماضي حين كنت من مريدي المربد الشعري العظيم، حين تعلمت الشعر منه.. وصقلت موهبتي بسماعه وهو يهدر بقصائده في الناس، لقد كان من أوائل الشعراء الذين تأثرت بهم واقتفيت آثارهم، المهمّ كيف أقترب منه لكي ألتقط صورة معه وكي أحظى بالحديث والجلوس إليه؟ ، ووسط تلك الزحمة المثقفة والنيرة.. رأيت حليفي الشاعر المتميّز راشد عيسى يبادله الكلام فقذفت نفسي وكان ما كان من حديث هادف عن الشعر ، واستشرته في كتابة هذا النصّ التعريفي به لدى الغاوين، خاصة وهو مكرّم استثنائيا من المهرجان وكان لي ما أردت، لذا أستهلّ هذا الفيض من الحبّ بهذه اللمحات من شعره الذي سيخلد أبدا :

” نحن البصريين
نطفيء الشعر حين ننام..
ونورّق مصباحنا للضيوف “

” نحنُ الكسالى
لم نزرع تفاحاً
ولهذا..
اجّلنا أكل التّفاح.. الى الجنّة “

” واخبرني جنديّ
– مثلي في السبعين-
ولم يُقتل بعد:
حتى بين رصاصات الجنود
رصاصات محظوظة:
تلك التي تخطيء اهدافها
ورصاصات تعيسة :
تلك التي ترتكب امجاد الحروب “

وُلد كاظم الحجّاج بالبصرة سنة 1942، وهو ينحدر من (مدينة الهوير) في البصرة جنوب العراق..، يحمل الحجّاج بكالوريوس شريعة وآداب من كلية الشريعة جامعة بغداد 1976 ، تقاعد بعد ممارسة التدريس لثمانية وعشرين عاما..، وله عدة مؤلفات شعرية منها : مجموعته الشعرية الأولى (أخيرا تحدث شهريار) والتي صدرت ببغداد 1973 . ثم لحقتها مجموعته الشعرية الثانية (إيقاعات بصرية) بغداد 1987. فيما صدرت مجموعة شعرية الثالثة (غزالة الصبا) عمان 1999 . وله أيضا دراسة أنثربولوجية في كتاب بعنوان (المرأة والجنس بين الأساطير والأديان) صدر في بيروت 2002 . ومن بعدها صدرت مجموعته الشعرية الرابعة (مالا يشبه الأشياء) في بغداد 2005 . والخامسة (جدارية النهرين) دمشق 2011…وله أيضا خلاصات السبعين …

وقد كتب للمسرح أربع مسرحيات، عرضت منها ثلاثا، وفازت اثنتان منها بجوائز، يكتب عمودا صحفيا أسبوعيا في صحيفة (الأخبار) البصرية منذ صدورها في آب 2003 عنوانه (بهارات )

قد شغل كاظم الحجّاج كلّ المهتمين بالشعر والأدب ..وحاولوا تصنيفه وتبويبه دون جدوى وكما قال الاستاذ الناقد عبد الهادي الزعر في مقالاته :

” كلما أقرأ للحجّاج او استمع له من على منصة المربد يتملكنى سؤال غريب : في أيّ خانة يصنف هذا البصرى العتيد ؟
اهو سيابىّ بجلباب ناثر ام ماغوطى متمرد خبر سحر المفردة وفعلها فساقها على عواهنها
ام أنّه وثيق الصلة روحيا وفكرياً، بالراهب الكتوم محمود البريكان حين أعد الكؤوس وأنار الأضرحة فى رائعته حارس الفنار استعداداً للقاء ضيفٍ لم يأت..، أم أنه مزيج من أنسى الحاج وسلمان محمد ويوسف الخال وأدونيس و- و..، لا لا – لا هذا ولا ذاك فكاظم لا يمثل إلا كاظم “

ومن ضمن العديد من النقاد والصحفيين ..أقتطف من مقالة شوقي كريم حسن المعنونة ب ” الشاعر كاظم الحجاج ..الشعر بوضوحه الخارق ” هذه الفقرة المتسائلة عن حاجة الإنسانية لأمثاله المبدعين الباحثين عن الجمال والحبّ والعدل والإنسانيّ فينا :
” ماذا يمكن ان تكون عليه الانسانية دون شكسبير وعزرا باوند والسياب وناظم حكمت..، ولربما اخذتني (الماذيات) هذه لتضعني امام تجربة مغايرة، وتملأ اعمارنا بوضوحاتها التحريضية، ماذا لو كان الشعرية العراقية بعد سبعينيات ايامنا المندهسة بالادلجة والحروب ، دون رجل يكاد بمشيته تقبيل أديم بصرته، يحمل اسمين متناهضين تماماً، وأظنه صنعهما بدقة المكتشف .. كاظم.. الحجاج… تلك لعبة الدهشة الأولى، المصحوبة بالسؤال الاول الاشد فتكاً بالوعي الجمعي.. ما الذي يريده الشاعر من الشعر؟”

اسمعوا الحجاج كيف يعاتب الإنسان ..ويوبّخه بطريقة راقية ..ويجعله يكره الحروب وكلّ ما يسيء للعالم :

” إني رجل خاض الحرب

أذكّر أني- وأنا أتقدم أو أتراجع

في الأرض الأخرى-

قد دستُ وروداً.

وقطعت لأجل التمويه، غصوناً

لا أدري كم كانت

ورأيتُ النخل يقُصّ

ولم أحتجّ ولم أذرف دمعًا “

وآخر ما أختم به هذا النصّ الاحتفالي بهذا الهرم الشعري ..هو أن أقول من بعده مردّدا معه

ما صرّح به في حوار سابق : إكتفيتُ بما كتبتُ وأخذتُ من الدنيا ما أشتهيت

أطال عمره الله ..ومنحه القوة والصحة حتّى يكمل هذه المسيرة المباركة ….

وكما قال الدكتور عارف الساعدي ..أنا لا أحبّ النهايات ..بل أحبّ البدايات مثلما دوّن ذلك محمود درويش في حديثه عن الحبّ …، ينتهي المربد في دورته 35 ويعود كلّ ضيف ومشارك إلى صومعته بذكرياته ..، ويشرفني أن أشكر هيئة المهرجان على هذه المجهودات المبذولة لإنجاح هذه الدورة ..وبالتونسي أقول لهم : ” يعطيكم الصحة ” .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.