أحمد الملا وريم البيات في ستوديو سدرة .. فعلاً “يا له من يومٍ هائل”

29 يناير 2024

هاني نديم – نص خبر

“يا له من يوم هائل”
بهذه العبارة
أو بالأحرى بمعناها،
عليك أن تنهي اليوم، وكل يوم…
أن تنهض وتسمي الأيام بأسماء ملأى بالمعنى، بل أن تنهض وتسمي الأيام بأفعال ترتكبها عنوة وليس أسماء ورثتها أو صفات استعرتها من السابقين.
عليك أن تنحت ما تريد برغبة لا تقل مهارة عن صائغ يعالج الذهب بالنار والمخرز.
ولا تلتفت أبدا، فيداهمك الوقت ويمرق من بين جنبيك كأفعوان، إمض بشهوة المشتاق قبيل الموت، وافترع اللحظات بشجاعة الخائف على عياله، انتهبها كأنها كأسك الأولى بعد صحراء خالية، وتجرعها كما قرصان في بحره الأخير.

هذا المقطع من نصّ أحمد الملّا يصلح لمقدمة مقالي، كما يصلح للحياة والنوم والعمل والغياب ككل ما يقدم الملا المفعم بالدقائق والمحتفي بالتفاصيل المجهرية التي لا ترى بالعين المجردة.

أخيراً، أقام الشاعر السعودي أحمد الملاّ أمسية شعرية بصرية مع شريكته في الإبداع والحب والحياة المخرجة والفنانة ريم البيات. حيث قدما أمسية في مجمع سدرة للفنون بالدرعية فيها الكثير من الشعر والفن والحوار.

وبطبيعة الحال، حضر الأمسية مبدعون كبار مثل دخيل خليفة ومحمد الحرز وابراهيم الحساوي ورباب اسماعيل وابراهيم مبارك وهتون الفاسي وغيرهم من مبدعي السعودية والوطن العربي.

قرأ الملا من كتابه الأخير “يا له من يومٍ هائل” وكان لقصائده الأثر الهائل في نفوس من حضروا من شتى أنحاء البلاد، من موسيقيين وتشكيليين وشعراء وسينمائيين، فأحمد وريم كل هؤلاء ويجسدان كل تلك الفنون.

ديوان يا له من يومٍ هائل صادر عن دار “روايات”، جاء بحوالي 180 صفحة من القطع الكبير، تتشابك فيه النصوص مع الرسومات بالأبيض والأسود ويعد تحفةً فنية وشعرية حقيقية. يبدأ الملا ديوانه من قصيدة وردة الرقص وينتهي في فهرس الخراب، وبينهما الكثير من القصائد التي تحتفي بالتفاصيل المهملة والعميقة من الحياة، مثل حكاية كمان، حكاية مكان، وعقوبة الأخ الأصغر، وكمن رأى. وغيرها..

“قم واركل غطاء يعزل رغباتك ويرتبها في أدراج مؤجلة، هكذا يوهمك بمعطف للبرد، بمظلة حين تمطر وبمروحة الصيف، وكأنك خانع له ولا تحلم عاريا تحت مطر غزير، أوتلعب بالنار في عز الشتاء، أو تقضم الثلج كلما عن للشمس أن تدهمك.. قل لي من علمك؟ هل سئلت يوما إن أردت السبت سبتا أو الأحد، وهكذا…
لا الأثنين أثنين ولا الثلاثاء”.

 

أحمد الملا، شاعر سعودي مقاتلٌ إن جاز التعبير، مقاتلٌ في نصّه السابح عكس التيار الكلاسيكي الكسول والمقبول، ومقاتل في حياته الشخصية والمهنية، فهو من وضع أول لبنة لفكرة السينما السعودية بشكلها المؤسساتي المعمول به عالمياً، فهو من أقام مهرجان السينما السعودي في وقت كانت السينما فيه من المحظورات، قاتل وواجه وانتصر كعادته وأتى بنجوم العالم إلى سجادته الحمراء.

الملا، مؤسس ومدير مهرجان أفلام السعودية ومهرجان بيت الشعر، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية السينما، اختير مؤخراً ليكون رئيس لجنة تحكيم مهرجان رامبو الفرنسي، حيث كتب موقع المهرجان البارحة: “التقينا بالأمس في المجلس مع آلان ديبارديو، مدير العلاقات الدولية في شركة Les Rimbaud du Cinéma، والنائبة أمل أميليا لاكرافي التي تترأس مجموعة الصداقة الفرنسية السعودية. وكانت النقاشات ثرية وبناءة للغاية. يعمل فريق Les Rimbaud du Cinéma على تفكيك كل اللقطات وكل الأفكار التي تم تقديمها. وكانت شركة رامبو دو سينما قد رشحت الشاعر السعودي الكبير أحمد الملا، منظم مهرجان الأفلام السعودية، لرئاسة لجنة تحكيم رامبو 2024 للسينما. وقد قبل أحمد الملّا الرئاسة ونحن سعداء بهذه الأخبار السارة. لأننا نؤمن بأن الشعراء هم مستقبل البشرية”.

 

 

بعد أمسية الملا، ناقشت المخرجة والفنانة ريم البيات جمهورها حول الرسومات وتلك الشراكة الفريدة في عمل شعري/ فني، في ديوان يا له من يوم هائل. كما تحدثت عن تجربتها في صناعة الأفلام والتي تنطلق إليها أيضاً برؤية شعرية في جوهرها.

ريم هي مخرجة أفلام سعودية، حازت جائزة أفضل إخراج في مهرجان ميلان السينمائي عن فيلمها أيقظني، والذي فاز أيضاً بجائزة مهرجان مدريد السينمائي عن فئة الأفلام القصيرة.

ريم حاصلة على الشهادة الوطنية في التصوير من معهد الفنون في بريطانيا عام 2005،  و حاصلة على دورة الإخراج السينمائي من المعهد نفسه في عام 2008، وقد قدمت للساحة السعودية والعربية عدداً من الأفلام التي يمكنني أن أسميها سينما شعرية، على الرغم من طرحها النسوي، حيث قدمت فيلمها الأول ” ظلال ” و هو فيلم روائي شعري قصير تم تصويره في بريطانيا ، ثم ناقشت في فيلمها الثاني ”  دمية ” قضية زواج القاصرات و مدى التعذيب النفسي الواقع عليهن، إلى جانب فيلم أيقظني.

يذكر أن ستوديو سدرة هو مشروع فني ثقافي، ترأسه الفنانة والمخرجة السعودية ضياء يوسف، وهو أحد مشاريع “حي جاكس” في محافظة الدرعية الواقعة في منطقة الرياض، والذي يتكون من أكثر من 100 مستودع تم تجديدها؛ لتصبح المنطقة المرجعية للفنون والثقافة في المملكة، وستتضمن مجموعة مساحات للعرض، واستوديوهات للفنانين، ومعارض فنية ومرافق ومنصات.

وضياء يوسف، هي فنانة، كاتبة ومخرجة سينمائية حائزة على عدة جوائز شخصية، كما فاز فيلمها “ولد سدرة” على جوائز في غير مهرجان، عملت في كتابة وتحرير بعض الصحف والمجلات، درست الكتابة النصية الإبداعية والمهنية في جامعة جنوب كاليفورنيا، عضو في هيئة السينما وحكمّت جوائز عالمية مثل مهرجان مالمو السينمائي.

وقد رحب الاستوديو بأمسية الملا بدعوة كتب فيها” الساعة المباركة كما يقولها أجدادنا، هي تلك التي يأتينا فيها الواهب قلبه للفن (أحمد الملا) ليأخذ بأيدينا بحميمية الصديق إلى عمق وجدانه. هو القائل (كلما دخل الشعر في نفس زانت) هو الذي جعل الشعر تفكر في البديهي واكتشافاً للحياة. يهدينا يوماً هائلاً بالشعر وبالأصدقاء”.

 

وأخيراً لا بدّ من التنويه والتأكيد على زخم الحراك الثقافي السعودي، تلك الثمرة التي آن أوان قطافها، فهي من شجرةٍ هائلة قامت على جذور بعيدة وممتدة وطرحت لنا أسماء مدهشة في كل الحقول، مثل ريم البيات وأحمد الملا وضياء يوسف الذين صنعوا لنا يوماً إبداعياً مدهشاً.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.