حسن سامي يوسف … «شيخ كار» السيناريو صار عاطلاً عن العمل؟!

وسام كنعان- مكتب دمشق 

6 سبتمبر 2023 

لا يمكن اختصار مسيرة الكاتب الفلسطيني السوري حسن سامي يوسف بسطور! كما تستحق تجربته مواكبة نقدية متربصة بكل التفاصيل التي يحرص على العناية بها، عدا عن أنه من أوائل الكتّاب  الأكاديميين في سوريا، إذ أوفدته وزارة الثقافة السورية سنة  1967 ليدرس في «معهد السينما لعموم الاتحاد السوفياتي» هناك خبر طعم الحرية والانفتاح. رحلةٌ جعلته يتأثر بدستويفسكي وبلزاك. تلك النقلة النوعية جعلته يأخذ وقتاً طويلاً حتى يعيد ترتيب أدواته، ويبني كيانه المستقل ضمن المعطيات الجديدة… حتى اليوم، تأخذ موسكو حيزاً كبيراً من قلبه، لكنّه لم يفكر يوماً بالانتساب إلى «الحزب الشيوعي» أو أي حزب آخر. يحمل في قلبه عشقاً قديماً للزعيم الراحل جمال عبد الناصر ولفكره… حلمه المنتظر بتوحيد الأمة العربية تجلى في نظر حسن سامي يوسف في الأغاني الوطنية لعبد الحليم حافظ.

 

في معهد السينما بدأ مشوار الكتابة. قدّم مشاريع سيناريوات، ثم كان عليه أن يقدم سيناريو فيلم روائي طويل مشروعاً للتخرج. وبعد عام واحد من تخرجه وعودته إلى دمشق، كتب سيناريو شريطه الأول «الاتجاه المعاكس» (1975) الذي أخرجه مروان حداد، ثم سيناريو «اللعبة» وهو فيلم قصير أخرجه هيثم حقي. وكتب أيضاً «يوم في حياة طفل» لمأمون البني الذي حاز «التانيت الذهبي» في مهرجان قرطاج عام 1980. بعد ذاك سيطرت على الكاتب نزعة الاتجاه نحو العمل الأدبي:  «لأنني أردت أن يحمل عملي توقيعاً واحداً باسمي وحدي، من دون كل الأسماء التي تظهر على الفيلم السينمائي «هكذا، أنجز روايته الأولى «الفلسطيني» وأتبعها بمجموعة روايات أخرى هي حصيلة نتاجه الأدبي. لكن كتابة الرواية وحدها لم تستطع أن توفّر له ظرفاً مادياً مستقراً، فبحث عن عمل لا يتعارض مع مشروعه الأدبي. هكذا كانت بداياته في مجال السيناريو التلفزيوني مع مسلسل «شجرة النارنج»، تلته مجموعة مسلسلات أنجزها منفرداً قبل أن تبدأ شراكته مع نجيب نصير، وما نتج منها من أعمال حقّقت نجاحاً مدوياً في الوطن العربي: من «نساء صغيرات» (1999)، إلى «أسرار المدينة» (2000)، ثمّ «أيامنا الحلوة» (2003)، و«الانتظار» (2006)، و«زمن العار» العام الماضي. ومن ثم «الغفران» (عن روايته رسالة إلى فاطمة) و «الندم» الذي حقق شهرة طائلة!

وكان آخر ما قدّمه هو مسلسل «فوضى» الذي حظي بإقبال جماهيري وحفاوة نقدية. لكن منذ ذلك الحين والرجل شبه عاطل عن العمل. لذا كان عليه أن يوضح الموضوع في رسالة طويلة نشرها على حساباته الافتراضية أوضح فيها بأنه «عاطل عن العمل فعلاً منذ عام 2017 رغم أنني لم أكن كذلك أبداً، وهنا المفارقة العجيبة، فقد كتبت خلال هذه الفترة رواية «على رصيف العمر»، كما كتبت مسلسلين تلفزيونيين كبيرين، الثاني منهما مأخوذ عن الرواية ذاتها، والأول هو ذاك الذي كنت أبني عليه آمالاً كبيرة: «الأمير الأحمر» والذي كان يمكن له أن يحمل عنواناً مختلفاً: «صائد الموساد»… ومن هذا العنوان الثاني (الافتراضي) يمكننا ببساطة معرفة السبب الحقيقي الذي أدّى إلى إيقاف العمل. كان الأمر فوق طاقة الجهة المنتجة. أعرف هذا الأمر جيداً، وأتفهمه، برغم المرارة التي تركتها الشركة إيّاها في نفسي لأسبابٍ قد أفرد لها مساحة واسعة قريباً على هذه الصفحة» يشرح الكاتب المعروف ويضيف : «أذهب الآن إلى المسلسل الثاني المأخوذ عن رواية «على رصيف العمر» عرضته بادئ ذي بدء على منتج صديق، لي معه تجربة إنتاجية ناجحة، ليس على مستوى سوريا حسب، ولكن على المستوى العربي بعامة، قال لي بعد أن قرأ السيناريو: (لا أستطيع تسويق هذا العمل، يؤلمني أن أرفض نصاً لِـ حسن سامي يوسف).. انتهى كلام المنتج الصديق الذي ذهب لإنتاج عمل من فصيلة مسلسلات البيئة الشامية»

الكتابة التلفزيونية هي مصدر دخلي الوحيد. إذن، ماذا سيحدث لي ولزوجتي إن توقف هذا الدخل بشكلٍ تام

وعما حلّ بهذا المسلسل يستطرد بالشرح فيقول : «في أول صيف السنة الفائتة ظهر المنتج الجاهز لأن يأخذ العمل ذاته من الظلمات إلى النور، وكان المخرج المقترح الصديق جود سعيد. ومن جهتي رحّبتُ بالأمر. اجتمعنا ثلاثتنا، وتناقشنا حتى في التفاصيل، واتفقنا على كل شيء، ثم كان اجتماعٌ بيني وبين جود تناقشنا فيه حول بعض التعديلات البسيطة على النص، واتفقنا على كل شيء آخر أيضاً. كان أمامي بعد هذا الاجتماع سفرة قصيرة خارج سوريا. وسافرت. وحين رجعت إلى البلد كان الخبر الأول في انتظاري عبر مكالمة هاتفية مع جود: المنتج انسحب من المشروع. ذهبت في اليوم التالي إلى المنتج في مكتبه لأستوضح ملابسات هذا الانسحاب المفاجئ. قال لي من الآخر: لا يوجد أكشن في العمل، بينما تتطلب السوق اليوم هذا الأكشن» ثم يفيد بتوجهه ورغبته التي تسكنه عند كتابة أي عمل بالقول: «أنا كاتب مغروس في وحل الواقع، ولا أستطيع أن أصنع مسلسلاً عالقاً في الفراغ، وغيرَ محدّد المعالم، أكان من حيثُ الزمانُ أو المكانُ أو الشخوص، أو من حيث الهم قبل هذا كله، حتى لو أصبحت عاطلاً عن العمل قولاً وفعلاً. وبالنسبة إليّ على الصعيد الشخصي الخالص، لا بأس بالأمر كلّه، فسوف أتفرّغ لكتابة الرواية في الباقي لي من أيامٍ فوقَ الأرض، وقد شرعت فعلاً بكتابة رواية جديدة بعنوان «البرتقالة الزرقاء»، غير أني لم أتقدم فيها كثيراً، فالمشكلة الكبيرة هنا هي أن الرواية في بلاد العرب لا تُطعم خبزاً، وأن الكتابة التلفزيونية هي مصدر دخلي الوحيد. إذن، ماذا سيحدث لي ولزوجتي إن توقف هذا الدخل بشكلٍ تام؟ هل أجوع أو أعرى؟ هذا لن يحدث في حالٍ من الأحوال، فأبناء أخوتي المتواجدون في شمال أوروبا لن يسمحوا أبداً بوقوع مثل هذا السيناريو القبيح، يجب على المرء أن يحسب خطواته» يغوص يوسف في الشرح  الإنساني ويوضح : «شرعتُ أدرّب نفسي على نمطٍ جديدٍ من العيش أتخلّى فيه عن كماليات الحياة، رغم بقايا أملٍ ضئيلة تغمزُ لي بأن: علّ وعسى!. وهذه البقايا الضئيلة من الأمل هي ما يدفعني إلى المضيّ قُدماُ – لكن ببطءٍ بعض الشيء، رغم مساعدة زوجتي التي ترقى إلى مستوى الشراكة – في كتابة مسلسلٍ تلفزيوني جديد بعنوان «صلاة الغائب»، وإنْ لم يرَ هذا المسلسلُ النورَ، فأيضاً: لا بأس»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.