Silo.. ديستوبيا كَسَّرَت التّوقعات وفتحت الباب على أسئلة أكثر مِنَ التي أجابت عليها

21 يوليو 2023

أمامة أحمد عكوش – نص خبر

     هل القدر اختار على البشرية أن تكون حبيسة؟ حبيسة صومعة تسمّى الأرض؟ هل نحن سجناء صوامع يشكّل تجميعها الصّومعة الأمّ “الأرض”؟ ماذا عن الصّوامع الأخرى في الصّومعة الكبرى “الكون”؟ هل أصحاب الأيديولوجيات المسيطرة في “الصّومعة الأم”، هم من يختارون تواجدنا فيها؟ أم أنّه القدر فقط؟ أم……؟! إن كانوا كذلك!.. من هم “البُنَاة الحقيقيون”؟ هل الحكّام السّياسيون من بين هؤلاء؟ هل السّياسيون أصلاً هم الحكّام فعلاً؟ أم هم مثل الغالبية السّاحقة من البشرية؟ هذه الأسئلة المشروعة القائمة على “الفضول”، هي ما يحاول البعد الفلسفي لمسلسلة الصّومعة في جزئها الأوّل الإجابة عليها.

مستقبل ديستوبي!

Silo “صومعة” هي مسلسلة تلفزيونية أمريكية، تحكي عن مستقبل ديستوبي “أدب المدينة الفاسدة”؛ قائمة على الخيال العلمي، مقتبسة عن سلسلة قصصية، بدأت بقصّة قصيرة لـ “هيو هاوي”  باسم Wool نُشرت على أمازون من خلال نظام Kindle Direct Publishing للنّشر الحر عام 2011، ليعقبها هاوي بعد نجاحها وانتشارها المبهر بثلاثة كتب (WOOL – SHIFT – DUST) من رحم ذات القصّة، ويشكّل مجموع الكتب الثّلاثة، رواية الصّومعة.

الصّومعة التي شهدت عدّة تعاقدات مع شركات إنتاجية شهيرة – لم تكتمل – إلى أن استطاعت +Apple TV الحصول على حقوق تحويل سلسلة الكتب إلى مسلسلة تليفزيونية عام 2021، من إنشاء غراهم يوست، وإخراج مورتين تيلدوم، وبطولة (ريبيكا فيرغسون بدور جولييت نيكولز، وتيم روبنز بدور برنارد هولاند، ورشيدة جونز بدور أليسون، وديفيد أويلو بدور هولستون، وكومن بدور سمس، وهارييت والتر بدور مارثا ووكر، وإيان غلين بدور الدكتور نيكولز)، والإنتاج التّنفيذي للمخرج والبطلة “تيلدوم و فيرغسون”. الجزء الأوّل من الصّومعة تضمّن 10 حلقات، عُرضت الأولى في 5 أيار/ مايو من هذا العام، والأخيرة في 30 حزيران/ يونيو.

الفضول!

الصّومعة.. ناطحة سحاب عملاقة تحت سطح الأرض، مكوّنة من 144 طابقاً، يعيش فيها عشرة آلاف إنسان – يجب ألّا يزيد عددهم – يؤمن السّواد الأعظم منهم أنّ هذا المكان الوحيد القادر على حمايتهم من العالم الملوّث والمدمّر على سطح الأرض، إلّا أن ثلّة منهم تؤمن بالفضول “أكبر خصال الإنسان العاقل”.

الفضول في عالمنا حول كلّ شيء (الخَلْق – بداية العالم – الإيمان – الأرض – الكواكب – السّماء – الشّمس – القمر – الجِنان – الخلود – جهنّم – الجحيم – الموت – ما بعده – نهاية العالم)، الفضول الذي يدفع الإنسان إلى البحث والمعرفة والتّعلم، ولربّما يصل إلى العلم.

أمّا عن الفضول في الصّومعة، فهو يتمحور بالدّرجة الأولى حول.. ماذا خارجها؟! الفضول هنا “حرام وإجرام”، أهل الفضول منبوذين، تُكسر رتبهم، وينزلون إلى الطّوابق الدّنيا، يمنعون من الإنجاب، وإذا زاد فضولهم يخرجون للتّنظيف، وهو الذي يعني الانتحار من جهة الرّاغب باستمرار فضوله، والإعدام من جهة المؤسّسين الأوائل (من وضعوا “الدّستور – الميثاق – القانون”) لأهل الصّومعة، إذاً.. الخروج للتّنظيف، هو “الانتحار – الإعدام” هو الموت.

الهرمية!

النّظام الاجتماعي في الصّومعة يشبه اسمها “هرمي”، ويشبه المعمول به في أغلب الأنظمة العالمية (طبقة عاملة مسحوقة، وطبقة حاكمة، وطبقة خفية مسيطرة تحرّك خيوط وقواعد اللعبة كاملة في الخفاء)، هذا ما صوّره العمل في ما بين سطوره، أمّا عن ظاهره فأيضاً.. يشبه أغلب الأنظمة (طبقة عاملة مسحوقة، وطبقة عاملة متوسّطة، وطبقة حاكمة).

بالتّالي.. ظاهر الأمر أنّ الطّبقات الاجتماعية ثلاث، مقسّمة بين الأدوار، فيقيم أصحاب المهن الأدنى في القاع “الطوابق الدّنيا”، والتي تحتوي على الآلات الضّامنة لسير حياة الصّومعة، كمولد الكهرباء ومشغلّيه، ثمّ الطّوابق الوسطى التي يسكنها ويعمل بها الأطباء مثلاً، ثمّ الأدوار العليا التي تشغلها الإدارة المقسّمة بين (العمدة والمأمور “الشّريف” والشّرطة)، وبين (القاضية والاستخبارات والقسم التّقني) الذي يفرض مراقبة صارمة على أهل الصّومعة حتّى داخل منازلهم، إذ ينشر كاميراته داخل مرآة كل فرد، علاوة على أنّه يحظر امتلاك أجهزة الكمبيوتر إلّا بتصريح ولأفراد معينين، كذلك يتحكّم بأرحام الأمّهات، فبعضهنّ مسموح لهنّ بشعور الأمومة، فيما الأخريات محرمٌ عليهنّ ذلك، إضافة إلى أنّ الميثاق الذي يجرم ويحرم الفضول حول “ماذا ولماذا وإلى متى؟”، يجرّم أيضاً السّؤال عن الماضي “منذ متى ومن أين؟”، كما ويجرّم كلّ مَن في الصّومعة مِن اقتناء أي شيء قديم، (كلّ ما هو موجود فوق سطح الأرض، وكلّ ما هو قديم داخل الصّومعة، “يطلقون عليه Before Times أو الآثار”)، والمسموح لهم معرفته.. هو فقط أنّ الأرض قد انتهت قديماً لسبب مجهول. هنا.. نخلص إلى أنّ لكلّ دور من هذه التّقسيمات الثّلاث، سماته البصرية الخاصّة وإيقاعات شخوصه، سواء من حيث الملابس والأثاث والإضاءة ونفسيات سكّانه، بما يعبّر بطريقة جوهرية عن فكرة “الطّبقية” المسيطرة على المسلسلة، كما يعدّ ذلك جزءاً من فلسفته ورؤية صنّاع العمل لعالمنا الحقيقي.

حب .. معاناة .. شجاعة

“أنا أحبّك .. آسف أنّي جعلتكم تعانون .. أنا لست خائفة” .. هذه الجمل هي التي شكّلت المشاهد الأخيرة من الجزء الأوّل من مسلسلة الصّومعة، الثّلاثة الذين قالوها، كان لديهم فضول الذّهاب للخارج، فيما تبدأ حلقته الأولى بأنّ أليسون صاحبة جملة “أنا أحبّك” زوجة المأمور هولستون، التي كانت من المؤمنات بأنّ العالم الخارجي آمن – نتيجة جملة من المعطيات اكتشفتها – ، وخرجت للتّنظيف “للموت”، قبل ثلاثة أعوام. ليكتشف زوجها، ما اكتشفته زوجته بعد ثلاثة أعوام، ويقرّر بدوره الخروج للتّنظيف، وليكون له ذلك بالفعل، بعد قوله لطيف زوجته: “كان عليّ تصديقك من حينها”، ولأهل الصّومعة المسؤول عن أمنهم: “آسف أنّي جعلتكم تعانون”.

إلّا أنّ هولستون قبل خروجه للانتحار يختار خليفة له، وهي “جولييت” المهندسة الميكانيكية المثيرة للجدل القادمة من الطّبقات الدّنيا في الصّومعة – وهو الأمر غير المعهود في الصّومعة، ولم يحصل في تاريخها -، كما أنّه الأمر الذي يثير حنق السّلطة القضائية والاستخباراتية والتّقنية، إلّا أنّ الميثاق يقول بأنّه من حقّ المأمور اختيار خليفته – ولو لفترة انتقالية -. إذاً.. جولييت المأمورة الجديدة، في منصب لا تعرف عنه شيئاً من جهة، ولا تعلم لم تمّ اختيارها له من أخرى، ولا تريده من ثالثة.

ها هي جولييت تقبل المنصب، تقبله بدافع واحد في البداية.. وهو البحث عن كيفية الموت المفاجئ لحبيبها المناضل جورج، الذي كشف أسراراً حول حقيقة الصّومعة، إلّا أنّه انتحر قبل إخباره ما اكتشفه لحبيبته وللآخرين، لتكتشف لاحقاً أنّ هولستون ترك لها بعض الإشارات التي تجعلها محمّلة بمسؤوليات كبيرة، بحقّ أهل الصّومعة، وأنّ الإجابات على أسئلتها حيال ما حصل مع حبيبها، لربّما تقودهم جميعاً إلى خارج الصومعة، ليس إلى التّنظيف، بل إلى الحياة.

جولييت نيكولز.. صاحبة جملة “أنا لست خائفة”، هي الوحيدة في تاريخ الصّومعة التي انتقلت للعيش بين كلّ طبقاتها، فهي ابنة طبيب الصّومعة، لذلك بدأت حياتها واحدة من الطّبقة الوسطى وأصحاب الياقات البيضاء، ثمّ هبطت بإرادتها للعمل في الطّبقات الدّنيا مع أصحاب الياقات الزّرقاء، وبعد أن أصبحت المأمورة، التحقت بالطّبقة العليا، وهذي الحركة بين الطّبقات، دلالة على الطّبيعة الثّورية التي تشكّل جيناتها، إلّا أنّها لم تك على علم بذلك، كيف لا!.. وها هي تكتشف مع نطقها لجملتها بعدم خوفها، أنّها قدمت إلى العالم “عالم الصّومعة”، عن طريق معجزة _ كان من غير المسموح لأمّها الحمل والإنجاب _.

To pull the Wool over their eyes

أصبحت جولييت في العالم الخارجي، في يدها قطعة من الصّوف، وهو نفس عنوان الكتاب الأوّل من الكتب الثّلاثة WOOL “صوف”، وكما في الكتاب To pull the Wool over their eyes “اسحب الصّوف فوق عيونهم” ..Fool the eyes with a fake image through a piece of wool “إخدع العيون بصورة وهمية عن طريق قطعة الصّوف”، تماماً كما النّاس في الصّومعة المخدوعين بالشّاشة “النّافذة” المطلّة على العالم الخارجي، التي ينظرون من خلالها ليل نهار صوب “اللاعالم الخارجي”، وفي اللحظة التي يخرج بها كلّ مَن خرج مِن الصّومعة، يُخرج قطعة الصّوف ويبدأ بتنظيف الشّاشة، عدا جولييت، فها هي تتجه إلى الكاميرا وتشير للجميع؛ وتحديداً لبرنارد، أنّ لعبة خداع العيون بصورة وهمية عبر الصّوف، لم تنطلِ عليها، وأنّها لم تتأثر، ولم تمت، ولن تموت.

ريبيكا فيرغسون

العمل الذي يمتلك فكرة ونصّاً وإخراجاً وتمثيلاً وموسيقى تصويرية رائعين، ويتمتّع بتشويق عالٍ، وغرابة محرّضة، وخيال علمي مدروس، يعاب عليه أنّ حلقاته الخامسة والسّادسة والسّابعة كان من الممكن أن تكون حلقة واحدة، حيث أن رتمها لم يك كما بدايات العمل ونهاياته “البناء ممتاز والنّهاية كذلك”، بالتّالي.. كان بالإمكان أن يكون الجزء بدلاً من 10 حلقات 8 حلقات. والجدير ذكره.. أنّ كلّ شخصيات العمل قامت بالدّور المنوط بها على أتمّ وجه، إلّا أنّه من النّادر أن ينجح بطل أو بطلة بحمل عمل كامل بهكذا أطروحات وسردية عميقة كما في الصّومعة بمفرده/ها، ولكنّ السّويدية ريبيكا فيرغسون “جولييت” فعلت ذلك بكلّ أمانة وبراعة، حيث أنّها حين أحبّت “كانت عاشقة ولهة” .. وحين عملت “كانت متفانية دؤوب” .. وحين تحدّت خوفها من الماء “كانت متحدّية بارعة لذاتها” .. وحين قبلت القيادة “أدارت الدّفة خير إدارة، بإرادة وحزم واتّزان” .. وحين تمرّدت “كانت ثائرة مناضلة بعقل مخطط لا تشوبه شائبة” .. وحين تخلّت عن والدها الدكتور نيكولز، واكتشفت لاحقاً خطأها “كانت مثالاً مشرّفاً في الاعتذار من ذاتها ومنه”. ببساطة وعمق فيرغسون في هذا العمل، أثبتت أنّها مثال نموذجي للممثّلة البطلة التي بإمكان أي مخرج أن يحمّلها عملاً من ألفه ليائه، ليكون كتفاها بقدر الحمل وأكثر.

تقييمات ..

مسلسلة الصّومعة.. حقّقت تماماً ما ينطبق عليه الأدب الدّيستوبي، وما يراد منه بحرفية عالية، وهذا جلي بنسب التّقييم العالمية العالية التي حصل عليها الجزء الأوّل، فها هو يحصل على نسبة 87% على الموقع العالمي “روتن توماتوز Rotten Tomatoes” لتصنيف الإنتاجات السّينمائية والتّلفزيونية، ووصف النّقاد الخاصّين بالموقع المسلسلة بالقول: “من خلال الكتابة البارعة، وتصميم الإنتاج المذهل، والقوة والنّجومية التي لا تقدّر بثمن لـ ريبيكا فيرغسون؛ فإنّ الصّومعة عبارة عن صندوق غامض يستحقّ الفتح”، كما أنّ توقّعات عديد المنصّات المشابهة تراوح بين ما يزيد عن الـ 8 والـ 9 من 10، إضافة إلى أنّ عديد النّقاد الأمريكيين والغربيين أكّدوا أيضاً “أنّ سايلو واحد من الأعمال القليلة التي انتظروا كلّ حلقة من حلقاتها في موعد بثّها باللحظة، لما تحمله من إثارة وتشويق وغموض قلّ مثيله”، مضيفين: “إنّه أحد أفضل الأعمال التي عُرضت في النّصف الأوّل من عام 2023، وإنّ نهاية الجزء الأوّل لم تتخطّ التّوقعات فحسب، بل كسّرتها”.

إجابات وأسئلة

نهاية أجابت على عديد الأسئلة، ولكنّها فتحت الباب على أسئلة أكثر من تلك التي أجابت عليها، منها (ما الذي يعنيه الرقم 18 في مسلسلة الصّومعة؟.. لماذا رقم الهارد ديسك المكتشف 18؟ لماذا جاء خطاب العمدة في الـ 6 ث 6 د الساعة 6 “جمعها = 18″؟ لماذا رقم مفتاح برنارد 18؟ هل 18 هو رقم هذه الصّومعة؟ حيث تظهر 44 صومعة في المشهد الأخير .. هل هم 44 صومعة فقط؟ أم هناك المزيد؟ ماذا/من بداخل تلك الصّوامع؟ لم بعضها بباب – كصومعتنا هذه – وبعضها بلا باب؟) .. ماذا عن الماء والبوابة الضّخمة وكتاب جورجيا والأنفاق وزوجة سمس ومارثا ووكر؟ .. لماذا يتمّ تعقيم من سيخرج لعالم مسموم؟ هل البخار هو السّم؟ ماذا عن الشّريط اللاصق؟ لماذا مات كلّ من خرج للتّنظيف قبل جولييت إلّا هي؟! هل الأرض فعلاً غير صالحة للعيش؟ ماذا يوجد في المدينة المدمّرة التي تظهر من بعيد؟

إذاً.. لننتظر الجزء الثّاني لنعرف إن كنّا سنجد تلك الإجابات، الجزء الذي هو قيد التّصوير حالياً “حسب مجلة فارايتي” العريقة، التي أشارت أنّه سيعرض العام المقبل 2024، وأنّه سيكون أكثر عنفاً وقتامةً وحزناً من الجزء الأوّل.

 

 

 

قد يعجبك ايضا