هل ستصبحُ القنافذ و الثعالب بشراً ذات يوم ؟ – عامر الطيب

عامر الطيّب-  شاعر عراقي

للفيلسوف و المفكر البريطاني ذي الأصل الروسي أشعيا برلين( 1909 – 1997) مقال شهير بعنوان ” القنفذ والثعلب” وهو مقال طريف بحسب برلين نفسه و إن كان قد تمّ تناوله بنحو الجدية و المقال مسند لعبارة نثرية نسبت للشاعر الإغريقي أرخيلوخوس ” الثعلب يعرف أشياء كثيرة، ولكن القنْفُذ يعرف شيئًا واحدًا كبيرًا “

و حسب تلك الثنائية التنافسية بشكلٍ ما فإن الثعلب يستخدم كل الحيل و الألعاب و الخطط من أجل اصطياد القنفذ الذي يتمكن أخيراً من القيام بخطوة واحدة لحماية نفسه وهي أن يتكور داخل جلده حتى يبدو كنا لو أنه لغمٌ،
وعبر تلك المطابقة الحيوانية أتيح لأشعيا تقسيم الكتاب و المعارف إلى نوعين ، نوع متعدد الخطط و نوع آخر له استراتيجية ناجحة يمكنه استخدامها ببراءة أو بفطرة .

وبالطبع فإن الكتاب لا يندرجون جميعاً تحت تلك الثنائية المختزلة لاسيما الكتاب العرب الذين يقعون على حيل وخطط أغرب مما لدى الثعالب والذين لهم في المقابل استراتيجيات مفاجئة أشد حبكة مما لدى القنافذ و أني أسوق ذلك للكلام بمنحى إيجابي لا سلبي فالكتاب العرب يعيشون ظروفاً استتئنتية منذ أمد بعيد، ظروف تبدو أكثر توحشاً من ظروف الحيوانات نفسها ذلك لأنها الحيوانات تكابد دون وعي بما تعيشه، فهي مسلولة الوعي التاريخي و اللغوي بقدرة قادر وعلى ذلك الأساس فإن كتاباً عرباً كثر لديهم مآسٍ تدفعهم لابتكار خطط بوليسية أحياناً للمضي قدما و يمكنني على سبيل الطرافة المجدية تقسيم الكتاب الذين تسنت لي معرفتهم- معرفة غير شخصية- و مطابقة تلك التصنيفات مع الحيوانات التي أعرف بعض سماتها فلا شك أن القنافذ لديها أشياء أخرى غير أنها تختبئ و الثعالب لديها أشياء عديدة خارج الحيل المألوفة عنها .

الكاتب الضفدع 

للضفادع سبات شهير و متنوع التكنيك بفعل تنوعاتها فقد تحفر بعضها حفراً في الأرض أو تتغطى بورق الأشجار وإذ تختبئ ضفادع تحت الحشائش فإن ضفادع أخرى تتخذ قاع النهر كمكان آمن، ذلك السبات الشتوي الذي يجعلنا لا نصادفها في فصل الشتاء هو ما يمكنها من البقاء على قيد الحياة إذ تتباطأ لديها عملية التمثيل الغذائي فتبدو أقل حركة أو هامدة أحياناً وكما الضفادع هناك الكتاب الذين يختبئون في مواسم معينة مرة من أجل إنجاز أعمال إبداعية و مرة أخرى من أجل صنع علاقات شبكية خفية مع مؤسسات و منظمات تمكنها من البروز بقوة و البقاء في الأضواء لمدة أطول وقد
يقابل هؤلاء الكتاب الضفادع، الكتاب الخفافيش، الكتاب الصراصير، الكتاب القطط، الكتاب الأشباح، الكتاب الذين يتصفون بسمات لا يمكن مصادفتها في أي حيوان في العالم .

الكاتب الديك

ظل الناس طويلاً يعتقدون أن الديك يبيض مرة واحدة أو أنه باض مرة واحدة في أزمان بعيدة و بصرف النظر عما إذا كان اعتقادهم نابعاً من تأمل أو من تخريف فإن بيضة الديك أصبحت سياقاً لغوياً يمكن الاستناد عليه عند الحديث عما يصنعه المرء مرة واحدة و لا تؤاتيه القدرة عليه ثانية
وقد قال بشار بن برد مستخدما تلك الخرافة شعرياً :
قد زرتنا مرةً في الدهر واحدة
عودي ولا تجعليها بيضة الديك
يتسمُ الكاتب الديك بأن صيته و شهرته تدور حول عمل واحد أو أن القراء يسلبونه كل ما يكتبه لاحقاً بفعل قوة العمل أو جودة تسويقه و فرادة ظرفه التاريخي وهذا فإن العمل الإبداعي الخارق إذا لم يكن الكاتب قادراً على تجاوزه أو منافسته يصبح شيئاً خرافياً مثل بيضة الديك وقد يتحول إلى كابوس بالنسبة لصاحبه فيغدو الرهان عند هؤلاء الكتاب أو الفنانين الديوك هو تجاوز أعمالهم، السباق مع أنفسهم الانتصار أو الهزيمة هو المصير الذي ينهون حياتهم به ولعلّ صياح الديك لم يكن إلا ابتهالا أبدياً بصنيعه القديم الذي لم يتمكن من تجاوزه أو تكراره.
مقابل الكاتب الديك هناك الكاتب الدجاجة وهو ذلك الذي يؤلف أعمالاً شتى دون أن تحدث أثراً أو دون أن تبدو أعمالاً إبداعية في جوهرها ، الدجاجة تبيض فما الذي يعنيه ذلك أكثر مما يعنيه أنها تلتقط حبيبات الرز المتناثرة على قارعة الطريق ؟ لكن بين الكاتب الديك و الكاتب الدجاجة، توجد الاستثناءات الباهرة أيضاً، فالكتاب الذين لا يمكن تصنيفهم موجودون على الدوام.

الكاتب الطاووس 

للطاوس ذيل مزخرف مثل مروحة مضاءة بمصابيح و قد اعتبر بسبب مشيته و حركة ذيله أيقونة علو و غرور و تكبر ساذج مع أن الطاووس يفرش ذيله لإثارة إعجاب أنثاه أو إثارة انتباهها و بالطبع فإن الكاتب الطاووس يعتمد على ملحق صغير خارج متجزه ، الحضور المتبختر، الصوت، التلاعب بالأصابع عند الحديث ، اللحية المهملة، القبعة و السيجارة ، وقد يخيل لأحدنا أن تلك الأشياء لا تساهم بشهرة الكاتب أو دعمه أو إقناع الآخرين بأعماله الإبداعية إلا أن الواقع يخبرنا أن الشكل و الملبس – على سبيل المثال- لعبا دوراً بتسليط الضوء على كتاب دون آخرين ، هناك في الجهة الأخرى الكاتب السلحفاة حيث لا يشكل ذيلها أية إضافة جمالية لوجودها إلا مساهمة ذلك الذيل بتمييز الذكر عن الأنثى بالنظر لحجمه و المعني أن ذيلها ليس موضوعاً يمكن مناقشته بفرادة كما هو ذيل الطاووس .
يتقدمُ الكاتب السلحفاة بخطوات واثقة و ذيل لا يتجاوز بضعة سنتمترات لاختراق عالمه و المضي قدماً حتى الوصول إلى طموحه الشخصي دون أن يأخذ سباقه الأسطوري مع الأرنب على محمل الجد .

الكاتب الإنسان

بالعودة إلى ثنائية القنفذ و الثعلب هناك الكاتب الإنسان، اسم غير ملموس و سمات لا يمكن الوقوف على معاييرها ، تمثال ضخم يرتكز على القيم الكونية الشائعة فيما يتنازعه تناقض الرغبات الشرسة ، الجنون الهادف، العقلانية الصارمة، المرح المفرط و الكآبة المقرفة، الهدوء الثقيل و النزق المستفز، الجرأة الصادمة و الكذب الفني المبرر ، التلوث بشتى الاتجاهات و التشبث بالجذور الموحلة ، القيام بكل الحيل عندما يستدعي الأمر و الانكفاء على استراتيجية واحدة عندما يبدو ذلك ضرورياً ودون الإسهاب كثيراً بتوصيف الكاتب الإنسان و ملابساته، خططه و آلياته، دوافعه و انقلاباته فإن تمثاله الضخم يوحي لنا دائماً بأنه كاتب ذو شكل إنساني شاخص وإن كان يبدو بظهر قنفذ و رأس ثعلب عند التحديق به عن كثب!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.