نعم.. لنفرح! – مريم شومان

مريم شومان – صحافية فلسطينية

يبدو صحيحا أن الفرح عدوى، وأن الضحك عدوى، دعونا لا نكون سلبيين، دعونا لا نتطرق للحزن في هذا المكان، وإن كان ذلك صعبا لكن لم لا، فلنحاول.

ما مناسبة هذا الكلام؟ حسنا، شهدنا على مدار الأيام الأخيرة احتفالات الأردن؛ البلد الشقيق المجاور بزفاف ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله والأميرة الجديدة رجوة الحسين، قد تبدو هذه المناسبة حدثا أردنيا خاصا، لكن وفي ظل سطوة وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها لم يعد بالإمكان عدّ أي شيء أمرا خاصا.

من وراء شاشات الأجهزة الذكية تابع الملايين الاحتفالات التي امتدت على مدار أيام بقصد منهم أو بدون، فالحدث يفرض نفسه ليس على المتابعين فحسب بل وأيضا على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أنه وبلغة السوشال ميديا يعتبر “ترند”، فما بالنا إذا كان “ترند يتعلق بالعائلة المالكة”!.

مشهد جميل شامل متكامل أشبه بسيناريو أشرف عليه مخرج سينمائي محترف تابعناه فرضا بالبداية، ثم طوعا لاحقا، تابعنا تجهيزات الزفاف، اقتحمنا القصور الهاشمية، صرنا نعرف أسماء بعضها، تعرّفنا عن كثب على تلك التفاصيل اليومية التي يعيشها الملوك والأمراء والتي عادة ما تكون محاطة بالسرية ما يثير فضول الشعوب لمعرفة خباياها، تعرفنا رويدا رويدا على أفراد العائلة الحاكمة الذين لا يظهرون عبر وسائل الإعلام، اطلعنا على تفاصيل تجهيزات الزفاف الملكي المنتظر، عرفنا قصة تعرّف الأمير العريس على عروسه، رأينا الوجه الآخر للملكة الجميلة رانيا كأم عريس “وهي تطير فرحا بزفاف أول قرة عين لها”، انهماكها بالتحضير والإشراف على كل صغيرة وكبيرة كأي أم عريس، تفاصيل أخرى كثيرة كثيرة اطلعنا عليها لأول مرة وكشفت الحجاب عن الغموض الذي يلف حياة الحكام والملوك والرؤساء.

كل ذلك لم يكن ممكنا لولا الانتشار الهائل للفيديوهات التي بثها ناشطون ومؤثرون وهواة ومواطنون عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي سيما انستجرام وتيك توك الأكثر استخداما سيما من قبل الشباب وصانعي المحتوى على اختلاف الأهداف والمآرب؛ حيث مما لا شك فيه أن الحصول على أكبر عدد ممكن من المشاهدات والتفاعل مع المحتوى بات الشغل الشاغل لهؤلاء النشطاء والهواة وغيرهم، لكن النتيجة المتفق عليها هو تحقيق المشاهدات فعلا، والتعرف إلى كل ما تحدثنا عنه قبل قليل، والأمر المهم هو إدخال البهحة والسرور لقلوب الملايين ليس من الأردنيين فقط ولكن أيضا الملايين من العرب بأقل تقدير، أما الشيء الأهم على الإطلاق هو ما لمسناه من الدفء والحب والفرح والعفوية رغم البروتوكولات الرسمية الواجب على الشخصيات الرسمية والعائلات الحاكمة اتباعها، لقد لامسوا قلوبنا فعلا بضحكاتهم وسعادتهم وفرحهم.

أذكر قبل أعوام شهد العالم احتفالات زفاف الأمير الإنجليزي المعتزل هاري والأمريكية ميغان، في ذلك الوقت لم يكن جنون انتشار مواقع التواصل الاجتماعي متسارعا بهذه الوتيرة، تابعه أيضا حول العالم الآلاف ومن الممكن أن يكون تابعه الملايين ممن جلسوا أمام شاشات التلفزة طوعا من باب الفضول على الأغلب، وأعتقد انه لم يحظَ بهذا الاهتمام على الأقل من العرب، لا أدري إن كان السبب هو عدم اهتماكنا بحدث يخص الانجليز الباردين أو البريطانيين الذين استعمروا هذه البلاد لعشرات السنين، أم أن المبالغة بالترتيب والتجهز وتطبيق البروتوكول البريطاني بحذافيره، أم الطابع الرسمي الممل الذي غلب على ذاك الاحتفال، أم عدم وجود قواسم مشتركة ما بيننا وبينهم سواء الثقافة أو اللغة، لكن الأمر المؤكد أنه لم يحظَ بالمتابعة والاهتمام والبهجة كما حظي به الزفاف الملكي الأردني.

نعم، نحن حقا بحاجة للفرح وسط هذا البؤس الكبير، نحن بحاجة للأمل وسط هذا اليأس السائد، نحن بحاجة للسرور وسط هذا الإحباط العام؛ فمنطقتنا العربية ومنذ أكثر من عقد لا تشهد غير أخبار الحروب والدمار والقتل والفقر والجوع والنزوح، رائحة الموت والحزن غلبت كل مظاهر الفرح والاستقرار.

في قصر العائلة المالكة الأردنية عريس، ودخل الفرح كافة البيوت الأردنية، ابتهاجا واحتفاء بزفاف أميرهم الوسيم، فرحنا معهم ولأجلهم، بعضنا شاهد وتابع الفيديوهات القصيرة التي عرضتها مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضنا بحث عن تلك الفيديوهات ليتابعها، وبعضنا شارك تلك الفيوهات، وبعضنا أرفقها بالنكات اللطيفة، إذ تكسر هذه المواقع الحواجز بين الملك والشعب، بين المسؤول والعامة، بين الأمير وجنوده، بين الملكة وضيفاتها ممن يشاركنها فرحتها، بين الجمهور ونجوم الشاشات.

قد يكون الزفاف الملكي أجمل ما حدث خلال شهر أيار الذي انهال عليه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالتهكم والهجوم الرقمي لطول مدته معنويا وليس زمنيا، فغالبية الشعوب العربية تعتاش من الرواتب التي يتقاضونها مقابل عملهم في دوائر ومؤسسات دولهم الرسمية، وكان هناك إجماع على المعاناة من متلازمة راتب أيار، ووجد الموظفون البائسون الحزانى ضالتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عن ضغوطهم بطريقة فكاهية ليجد المتابع العربي نفسه منقسما بين الفرح بالحسين الذي أنساه لوهلة الحزن على طول شهر أيار لتأخر صرف الراتب.

الحزن مشروع لكن الفرح أحلى، الموت كثير لكن الحياة مستمرة، الوجع يومي لكن يمكن سرقة لحظات السعادة، والأمل باقٍ رغم الألم، مبارك للحسين ولذويه، مبارك عليهم هذا الفرح ودائمة عليهم هذه السعادة، عسى أن نشهد دوما مثل هذه المناسبات، عسانا دوما نُصاب بعدوى السعادة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.