عنترة في مواجهة محتوى التطرّف – رشاد كامل

رشاد كامل- كاتب سوري

كان هناك مغامرات وشعر وعشق وفروسية، كان هناك رجال فرسان نبلاء، وكان هناك الجميلات القديرات بنات النسب، ومكملات الرجال.

كان الفرسان يدافعون عن الحب والقبيلة، والشرف والمروءة، وينصرون الفقير والمظلوم، ويعلون من مكارم الأخلاق وكان هناك شعر..

فرسان يتبارزون مع فرسان، يمدحون خصومهم، ويحبون خيولهم، ويطلقون على سيوفهم الأسماء.. ومع كل هذا العنفوان هم يضعفون أمام ابتسامةّ

كانوا لا يريدون الجنة بل الحب، كانوا لا يريدون الملك بل الخلود عبر الشعر، كانوا لا يدعون أنهم ينفذون أوامر آلهية إنما هم عاشقون للحرية. ومن أجل هذا كانوا هم من تعلق أشعارهم على الكعبة.

عنترة لم يمر عابرا في حياة تكويننا بل هو حارس من حراس المحتوى، فهو ملهمنا في العشق والقوة، وهو من يقف حاجزاً امام أي عنصرية فينا. ليس أبوه من اعترف به لشجاعته والقبيلة بل جميعنا! فكأنما كان هو جسرنا إلى الاعتراف بعرقنا الواحد نحن والأشد سماراً منا. فسواد بشرته أصبحت ملكنا نحن عندما قدمها ممزوجة بإبداعه وعشقه وفروسيته..

عنترة عفيف رغم أنه قادر

ولا نذكره إلا عاشقا

ولا نذكره إلا وفيا لأبيه ولقبيلته

ولا نذكره … إلا محبا لأخيه

ولا نذكره إلا مرضِياً لأمه

ولا نذكره إلا فقيرا، مكتفيا، فليس المال ما يزينه

نافس على الحب بشرف، وقضى عمره سمعته تحمي قومه وشعره فخر العرب.

عندما فقدنا سيرة عنترة شعبياً، حل محلها سير أخرى فيها قادةُ جدد، وبدأت قصصهم في الحروب المحملة بعبق الأوامر الإلهية فتح الدول وقهر الناس، وسبي ما طاب لهم النساء وتحولهم من مهمشين بالصحراء الى ملوك في بساتين بلاد الشام. فكانت رواياتهم كلها مكاسب..

فرض فكر، وكسب للمال، ووطأ لأنواع لم يعرفوها سابقا من النساء، فصارت رواياتنا الشعبية التي أطاحت بعنترة خالية من الحب ومليئة بالشبق، وأصبحت تدعو للحروب كمصدر للزرق، وأصبح قتل الآخر حق، لأنه وقف في وجه فتوحاتهم، عوضا عن مجابهة المعتدي حصراً، وأصبح في الروايات الخصم كافراً عوضا أن نفاخر بحسبه ونسبه حتى ونحن نقاتله.

خسرنا عنترة كحارس للمحتوى لأننا لم نقف معه في جبهته ندافع عن الفروسية والحب والشعر …

صمد وصمد لقرون، لكنه أمام جهادهم نحيّ عن المحتوى، وفشلنا في استنباط عنترة معاصر يحرك الخيال الشعبي ويعزز قيم الحب. هزمنا نحن وجندلنا معنا فارسنا. ووقف فوق صدورنا، من يريد اليوم طعننا، وهو يهتف لإعلاء آلهته.

لن ننتصر عليهم إلا إذا واجهناهم بما لا يطيقونه.. وهو الحب! وننادي، عنترة فينا ليقول:

هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بمــا لم تعلمي

يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبــارق ثغرك المتبسم

حب عبلة يوماً صنع أمة. وفقط حب عبلة اليوم قد يعيدها!

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.