سبهان آدم … «رابونزيل» مخلوقات غرائبية تترجم الحياة!

23 مايو 2023

وسام كنعان- دمشق

لا يتذكّر التشكيلي السوري سبهان آدم طفولته. يجزم أنّه لم يكن يوماً طفلاً يتأثر بما يحيط به. هكذا تجده يقول إنّ أهله وأقرباءه كانوا «مغفّلين يتأثّرون بما يتلقّونه من التلفاز». أمّا هو فعرف منذ نعومة أظافره كيف يأخذ مسافة تحليلية من السياسة والفكر. في شبابه، طرق باب الشعر، لكنّه حين قرأ قصائد الفرنسي إيف بونفوا كما ترجمها أدونيس، وجد فيها كل ما أراد أن يكتبه. لم يفكر آدم للحظة بأنه ينتمي إلى بلده فقط، بل إلى العالم بأسره والإنسان بالمطلق. أمّا علاقته بالأنثى فمنسوجة على منوال تقليدي. إن نبشت أوراق حياته الخاصة، تجد نفسك أمام جرعات مفرطة من الغرام مع جميلات يعجز هو نفسه عن إحصائهنّ.  معرضه الأوّل في الحسكة، أنجزه حين كان في السابعة عشرة. إلا أنّه لا يعتبر تلك التجربة أكثر من خربشات. بعدها دخل في عزلة طويلة جعلته يصير ما هو عليه الآن، أحد أشهر التشكيليين العرب في جيله. يشعر اليوم بالتقدير والاحترام إلى الناس الذين لم يعترفوا بفنّه في البدايات. هو ممتنّ أيضاً لبيروت وباريس لمساهمتهما في انطلاقته نحو التكريس.

ربما يتفق بعض النقّاد بأن وجوه سبهان آدم وشخصياته الفضائية: «تحاول تفكيك العالم أو إدراكه بريبة واضحة. تجعل صاحبها يملك لغة خاصة عن الموضوع الإنساني المؤلم. رؤيته تجاوزت هيمنة الجمال،  إلى منطقة القبح في محاولة لإزالة القشرة الخارجية للذات وصولاً إلى كثافة بلغت حدّ التوحّد مع الموضوع. و فضاءاته خرافية قريبة من الكائنات الساحرة المسحورة بفعل لعنة ما. حتى أنّ المتلقي يشعر بأنّ الفنان يرسم الشكل نفسه، وأنه أمام كائنات تقفز من جدار إلى جدار، فقط تغيّر رداءها..»

لكن اختلاف ما سيطرأ على منجزه في معرضه الجديد «رابونزيل» (في صالة فندق «جوليا دومنا» في دمشق «السبع بحرات»). العنوان الذي يدلّ على متلازمة نفسية نادرة يأكل المصاب فيها شعره، أراد آدم تقصّده  ويبدو ذلك جلياً عندما ترد على لسان إحدى شخصياته جملاً تدل على ذلك تحديداً في لوحة عازف ترومبيت التي كتب بجانبها: «مصاب بقصر طرف ولادي وبمتلازمة باروزيل المزمنة، ومغضوب عليه من الإنس والجن معاً»

إذاً، سيختار آدم التوقيع على كلّ لوحة بطريقة مختلفة من خلال عنوان مكتوب يراد منه الإمعان أكثر في السخرية والتندّر والعبثية. سبع لوحات جدارية  هي منجزه الجديد الذي ينحرف في بوصلته بشكل مختلف نوعاً ما عما أنجزه سابقاً. إذ يؤنسن هذه المرة مخلوقاته ويترك لها فرصة التعبير عن أشكال الحياة بمنطق المقاربة الموضوعية.

على هذه الهيئة لا ينأى سبهان آدم عن غرائبية بورتريهاته ومخلوقاته العجيبة، إنمّا يؤنسنها أكثر هذه المرّة، أو يصوغ دواخل البشر المشتتة والمشوهة بهذه الطريقة، ويترك لمخلوقاته تلك فرصة ترجمة الحياة بمآلات متشابهة إلى حد كبير. كأنها فلسفة خاصة يمكن اختصار مفاداتها: بأن النتائج ستكون واحدة مهما اختلفت الوجوه وتباينت الأشكال، سيبقى العالم الداخلي والمطارح النفسية واحدة  تفضي بتشوّهات وتناقضات يعيشها الكائن البشري من الداخل ولو بدا على شكلها الخارجي غير ذلك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.