سامح محجوب يكتب: هنا القاهرة .. الإذاعة المصرية صدى السنين الحاكي

31 مايو 2023
نص خبر – مكتب القاهرة

(هنا القاهرة)
في تمام السادسة وخمسة وأربعين دقيقة من يوم 31 مايو لعام 1934 سمع المصريون للمرة الأولى عبارة “هنا القاهرة” بصوت المذيع والطيار والممثل أحمد سالم الذي مات منتحرًا في ظروف غامضة بعدها بأعوام، ثم صدح بعدها العظيم محمد رفعت بآيات من الذكر الحكيم وتلته الآنسة أم كلثوم بأغنيتها الشهيرة “إن كنت اسامح وانسى الأسية” التي وزعت مليون إسطوانة عندما غنتها للمرة الأولى عام27.

وبعدها مباشرة غنى صالح عبدالحي ومحمد عبدالوهاب ثم قرأ حسين أفندي شوقي قصيدة لوالده أمير الشعراء أحمدشوقي ثم قرأ الشاعر علي الجارم قصيدة له في تحية الملك فؤاد ملك مصر والسودان وبعدهما قدم المنولوجست محمدعبدالقدوس فقرة غنائية ثم قدم الموسيقيان مدحت عاصم وسامي الشوا فاصلا موسيقيا، هذه وقائع حفل الإفتتاح الذي تم بثه من المبنى الأول للإذاعة بشارع الشريفين بجوار البورصة المصرية قبل أن تنتقل إلى المبنى الحالي بمنطقة ماسبيرو عام 1960.

أشرف على بث الإذاعة في العشر سنوات الأولى شركة ماركوني الإيطالية مقابل 60 بالمائة من عائدات تراخيص استقبال البث، وأشرف على برامجها لجنة ثقافية وعلمية ترأسها الدكتور علي باشا إبراهيم رئيس ومؤسس مدرسة الطب العليا بالقصر العيني وكان الرئيس الأول للإذاعة سعيد باشا لطفي شقيق أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل، هكذا بدأت الإذاعة المصرية -الأولى تقريبا في منطقة الشرق الاوسط وإفريقيا بعد تجربة الإذاعات الأهلية المملوكة لأفراد في بداية العشرينيات-عملاقة بإدارتها وروادها وطموحاتها في إكمال طموحات ثورة 19 التي كانت البداية الحقيقية لاستقلال وتمصير كل شيء بداية من الإقتصاد مرورًا بالموسيقى والغناء والقانون والثقافة والفكر وصولًا للذوق العام الذي جعل من القاهرة أجمل مدن العالم عام 1945.

إذن كان لابد أن تفتتح الإذاعة بجملة هنا القاهرة هذه الجملة واسعة الدوال دقيقة المعنى التى أعطى لها طه حسين والعقاد معاني إضافية بأحاديثهم الأسبوعية عبر أثير إذاعة البرنامج العام ، كما ملأها جلالا وتنويرًا وفنا كل من شارك بصوته وفنه وفكره في بلورة الإذاعة الوطنية المصرية التي لعبت أدوارا استثنائية في حركات التحرر العربي والإفريقي حتى أن إذاعة صوت العرب كانت تبث رسائل مشفرة لقيادات الثورة الجزائرية على الجبهة.

هذا إلى جانب دور الإذاعة الأساسي في تربية وصقل الوجدان المصري والعربي لعقود طويلة مازال تأثيرها ماثلًا حتى اللحظة الراهنة ولا أنسى أبدا حجم التأثير الذي لعبته الإذاعة المصرية في تكويني وتكوين جيلي والأجيال التي سبقتني بداية من امتلاكي لراديو” ترانزستور ” صغير كنت أضعه في سيالة جلبابي الريفي أتابع من خلاله الأخبار والمسلسلات الإذاعية وأسمع مطربتي المفضلة فايزة أحمد وصولًا لكاست قديم كنت أمتلكه بالشراكة مع صديقي الشاعر علي عمران حيث كنا نقيم في شقة 46 عمارة 11 بالمنيل،عمران الذي كان يتحيز لصوت عبدالوهاب يوسف بينما كنت أتحيز لصوت جلال معوض، وكان سماع الإذاعة بالنسبة لنا طقسا يوميًا خاصة إذاعة البرنامج الموسيقي وإذاعة BBC وإذاعة القرآن الكريم ومازلت أذكر عظمة وحلاوة اكتشاف الأصوات الجميلة في تلاوة القرآن الكريم وجمال وعبقرية الصور الغنائية الإذاعية.

ولن أنسى أبدا أنني بكيت كما لم أبك من قبل وأنا أسمع للمرة الأولى أم كلثوم تغني قصيدة” لغيرك ما مددت يدا” من أشعار طاهر أبوفاشا وألحان المختلف كمال الطويل، هنا القاهرة وستظل هنا منيرة وأبية وعظيمة وكبيرة في مجدها وعزها وعصية على كسرها وتركيعها ، هنا القاهرة التي أنارت الشرق وعلمت الدنيا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.