زمن إعادة التدوير الثقافي

يعاني المشهد الثقافي العالمي من مأزق خطير بدأ يطفو على السطح أخيراً ويثير الجدل والنقاشات. ألا وهو إعادة التدوير وقلة الأعمال الأصيلة. فما إن ينجح عملٌ ما حتى يعاد تدويره على كل الأصعدة. لعبة سوبرماريو التي اكتسحت العالم كلعبة فيديو في الثمانينيات مثلاً، لم تتوقف حتى اليوم في الظهور أمامنا بتصريفات مختلفة. مسلسلات وألعاب أخرى وأفلام سينما وغيره. إننا في عصر الاتكاء على الناجح والخوف من المغامرة بإبداع جديد.

طبعاً هذا الأمر ينسحب على كل شيء من حولنا، الشعر والرواية والصحافة بل والتيك توك واليوتيوب والسناب شات وما شابه ذلك. دكاكين ثقافية متشابهة تقدم ذات الوجبة بمخللات و”صوصات” مختلفة. صحافة الشارع وأسئلة الناس فرخت لنا عشرات البرامج المستنسخة، برامج الـ pop science التي ملأت العالم ووصلت إلينا مع الدحيح فرخت بعده عشرات الدحيّحات بنفس آلية التقديم والتون الصوتي والحركات والقطع واللم.

إننا حقاً في لحظة ثقافية متهالكة حيث يبدو كل شيء من حولنا قديما ومهترئا، نعرفه وقابل لإعادة صياغته وإعادة تجميعه وبيعه لجمهور كسول وراض ومستكين. حتى موديلات السيارات وتصميم الأبنية وكلمات وألحان الأغاني وأسماء المطاعم وأشكال الموبايلات والقراءات والروايات والنقوش والزخارف والديكورات يعاد تدويرها وكأن البشرية نضبت إبداعاتها وملّت من التفكير.

تخرج رواية ناجحة عن التلصّص مثلاً، تتبعها عشرات الروايات عن نفس الموضوع، تفوز قصيدةٌ ما بجائزة ما، تمتلئ المواقع بنصوص متشابهة بنفس القافية والبحر والتكنيك. مهرجانات الثقافة والشعر لا تغامر بأسماء جديدة، إنها تحب المكرس والمعروف وانفضت يا عرب! البرامج التلفزيونية لا تستقبل إلا من استقبلته القناة المنافسة وإلا فهو غير معروف. أيضاً لا تجرؤ صحيفة اليوم أن (لا) تنشر خبراً نشرته منافستها. وفي حقيقة الأمر لا أفهم معنى (الإعلام) إن كنت سأقدم للناس ما هو معلوم أصلاً!!

يقول الناقد سيمون بات: “في هوليوود، يبدو أنه لا أحد يكتب سيناريوهات! أعتقد أن الأشخاص الذين اعتادوا تقديم سيناريوهات أصلية قد غادروا أو ماتوا”. صدق سيمون، ألا تلاحظ حجم التراجع السينمائي في أمريكا، أعتقد أن هوليوود لم تنتج خلال العقد الأخير أكثر من عشرة أفلام ناجحة، والبقية إعادة تدوير وأفلام غير أصيلة.

عصر الوفرة دوماً يحمل بيديه تشابه وتقليد. لقد انفتحت النوافذ على بعضها البعض، وصرنا نرى أكثر من اللازم، وهذا يؤكد مقولة أن المعاصرة حجاب، بل حتى مقولة المعرفة حجاب! أنظر من حولك وشاهد كم ممثل تحول إلى تقديم البرامج أسوة بمن نجح من زملائه ولتقنين البطالة العظيمة التي طالتهم بسبب إعادة التدوير هذه، فباب الحارة وصراع العروش وغير ذلك. نفس الشلة ونفس النمط ونفس الجمهور ونفس الإعلانات للأسف.

أنظر كم من طبيب وسيم من حولنا يدلي لنا بكيلوين نصائح ويبتسم لنا بجاذبية ويمضي إلى عيادته، أنظر كم يوجد من مدربٍ و”كوتش” لحياتك المملة التي تعيد تدوير لحظاتها هذه اللحظة. كم من طبيب أعشاب طبيعية؟ دكتور نظام غذائي؟ مدربة للجنس وممارسة الحب؟

كلمني أحد الأصدقاء المقربين وقال لي: تعال نفكر بكتابة فيلم أكشن عربي، تعال لنحول “ملائكة تشارلي” للوطن العربي، وتمثل فيه فلانة وخلانة وعلتانة؟ ها ما رأيك جميلات أليس كذلك؟ سينجح!

أجبته أنني تحوّلت إلى كوتش نظام غذائي بعدما أنزلت عشرين كيلو غرام من وزني وسأبدأ بنشر تجربتي على اليوتيوب. بليز شير ولايك و”صب سكرايب” لو سمحت!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.