رونالدو سيهجر الدوري السعودي… هذا  ملمح من تاريخه؟!

30 مايو 2023 

وسام كنعان- دمشق

ترّوج بعض المواقع  أخباراً عن كريستيانو رونالدو  تفيد بأنه غير سعيد في السعودية، وينوي الرحيل عن ناديه النصر بعد بضعة أشهر فقط من القدوم إليه، وتعزي السبب إلى اختلاف الطقس عليه وعدم ارتياحه كلياً بسبب المناخ وغيره! طيّب، هل هذه الأخبار حقيقية؟ أم انها مجرّد لهاث محموم وراء عدد القراء والمشاهدين! 

إذا أراد أحد الجواب بصيغة تحليلية عليه أن يلاحظ تصريح صاروخ ماديرا عن سطوع الدوري السعودي وإمكانية تحوّله لواحد من أهم خمس دوريات في العالم، ثم لابد أن يقف ملياً عند أسلوب احتفاله الاخير بالسجود على طريقة اللاعبين المسلمين، عدا عن ظهوره مرتدياً واحداً من الأزياء السعودية التقليدية ما يعني أنه مسّيجاً بالفضول  وحب الاستكشاف لكل ما يحيط به! كما لابد الخوض في غمار   تاريخ رونالدو، وهو الشعلة المتوّهجة التي علّمت أجيالاً متلاحقة كيف يكون الاجتهاد، ومعنى المثابرة في خلق الفرصة بنفسك، واجتراح الموهبة ببراعة متّقدة توازي أي عمل إبداعي آخر وربما تتفوّق عليه. أولا لنتفق  بأن الحديث عن هذا الرجل لن يكون يوماً مختزلاً على الغزل بلاعب كرّة قدم  استثنائي فقط، بل المسألة تتجاوز ذلك وتصل إلى  مكان البحث عما جعله قدوة، وأسوة ورمزاً لمن يقهر المستحيل فعلاً!

الشخص الذي يبدو وكأنه أتى على هذه الدنيا مطبوعاً على ظهره رقم 7 أي رمز الحظ الذي يحمله بحسب أهل الفلك: كل عميق بتفكيره، سريع الاستيعاب. كما أنه يرمز للتواصل والانسجام مع الآخرين، وأيضاً هو رقم التصوّف والتفكير الفلسفي الذي تقدّسه جميع الديانات! الجنين الذي كان على وشك الموت قبل أن يخلق، صار أشهر رجل في الأرض، والأكثر متابعة على السوشال ميديا، وبات رقمه ماركة مسجلة تبلغ سطوتها حواف السماء!

«وهو في سن ال12 تركته يذهب .. كنت كمن تخلّت عن روحها» تقول ماريا أفيرو والدة كريستيانو عنه في الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان «رونالدو» (للمخرج البريطاني أنطوني وونك- مدته 96 د- أنتج سنة 2015) وهو يروي قسطاً من سيرة ذاتية في مرحلة مهمة من حياة نجم كرة القدم، وأحد مرجعياتها اللامعة، وأهم أيقوناتها، خاصة على مستوى الاجتهاد والمثابرة والإرادة وقهر المستحيل! الفترة التي أتى ليقود نادي القرن ريال مدريد إلى لقب دوري أبطال أوربا العاشرة سنة 2014 بعد إقصاء الملكي عنها لمدة 12 عاماً أي نفس عدد السنين التي قضاها رونالدو مقهوراً في كنف أبيه. السكّير الذي لم يعوّل على ابنه، أو يأخذ خيار احترافه لكرة القدم على محمل الجدّ، حتى أخيه هوجو أفييرو انحرف باتجاه الإدمان بعد عمله مع أبيه، معتقداً بأن كلّ البنّائين يجب أن يفرطوا في شرب الكحول كما فعل الأب ومات في ال 53 من عمره، لكنّه فجأة استطاع أن يعي خطر الدرك الذي يهوي إليه، وعاد لصوابه فتلقّفه رونالدو وأخذ بيده وصنع منه رجل أعمال ناجح.

ينطلق الوثائقي من اللقب  الذي قطفه ريال مدريد بمزاج درامي موغل في التشويق وهو  اللقب العاشر في دوري أبطال أوربا لريال مدريد عندما كان يواجه أتلتيكو مدريد وظلّ متأخراً حتى الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، لحين تدّخل سيرجي راموس برأسية ذهبية، فأوقفت قلوب مشجعي «الميرنغي» حول العالم! ومن ثم حسمها الأبيض في الحصّتين الإضافيتين!

فيما يتكئ الشريط على سر التنافس بين رونالدو وميسي وكيف حصل الأوّل على أول كرة ذهبية سنة 2008 ثم استفرد بها الثاني 4 سنوات متتالية، لدرجة قال البرتغالي حرفياً : «لن أعود مرّة ثانية إلى هنا» لكنه عاد ليحصدها تباعاً، ويحظى بنظرات الغيرة الممزوجة بالإعجاب من ميسي نفسه بقاعة مزدحمة بالنجوم. هكذا، مرّ الفيلم على العلاقة بين أشهر نجمين متنافسين عرفتهما مستديرة السحر! ثم ترك فرصة لوالدته لتقول ما يقوله عادة الأبناء عن أمهاتهم: «كل ما حصدته مدينة فيه لهذا الابن البار»

هي ذاته التي كانت تعاني في حي أنطونيو بمدينة فونشال التابعة لجزر ماديرا، من الفقر الساحق، وهي برفقة زوج يعمل بنّاء ابتلي بالإدمان على الكحول، ثم ستنتبه فجأة أنها حامل؟! فهل ستشارك في جريمة إنجابه؟! سألت نفسها، وعلى الفور اتخذت قراراً  بالتخلّص من الجنين! فكيف يمكن لها أن تضع مولوداً جديداً في بيت منهك ومتداعٍ، ينخره الفقر ويقوده عرّاب يترنّح يومياً من الإفراط في الشرب! لكن شيء ما منعها من الإقدام على تلك الخطوة؟! لعلّه حدس أمومتها البالغ مثل جرح على جبين فارس وصل إلى معاركه الختامية، فقرر أن يموت واقفاً، فإذا بالمدد يأتيه من غامض علمه! كان ذلك هو التحوّل الدرامي الأوّل في حياة الأم التي بعدما تراجعت عن فكرة إجهاضه، وصار عمره 12 عاماً عادت لتقذفه في فم الحياة كي تلوكه، فإما أن يصرعها ويلوذ بحضن أمّه منتصراً، أو أن دربه تلك ستكون مشفوعة بذيول الخيبةّ. لكن النتيجة أنه استحال أشهر ما أنجبت الأرض. إنه كريستيانو رونالدو!

وبالعودة إلى الشريط يبدو اليوم بعد مضي كل تلك السنين، بمثابة بنية تأسيسية ومدماك صلب، يمكن البناء عليه خاصة بعدما تباينت أيام رونالدو وراحت تغزل تفاصيلها بسنارة الدراما الساطعة!  البطل الذي هجر مدريد فهجره المجد نسبياً ووصل ليوفنتوس ثم عاد لليونايتد وهو بأسوأ أحواله، ومن ثم اصطدم مع تين هانغ وخرج عن صمته بلقائه الشهير مع  الإعلامي البريطاني الشهير مورغان، تلى ذلك دموعه المؤثرة في موندياله الأخير، بعد إقصائه على يد منتخب المغرب العربي، وتوقيعه مع نادي النصر السعودي وسط اهتمام عالمي بليغ بيومياته وحال الدوري في بلاد الحجاز!

كل تلك المعطيات وغيرها، على رأسها خلافه الحاد مع مدير أعماله خورخي مانديز الذي كان بمثابة عراب مهني له، تصلح لأن تكون مادة وثائقية جديدة تكمّل ما أنجزه المخرج البريطاني عنه سنة 2015 فحتى شريكته جورجينا ودريغز كانت محط اهتمام إعلامي واسع وأنجزت عنها شبكة نيتفليكس مؤخراً سلسلة بعنوان :  ««I am Georgina حكت فيها كيف صنع الحظ امرأة عادية، وانتقلت من بائعة بسيطة في متجر غوتشي، لسيدة أعمال تقتني أهم ماركات العالم، وتظهر بها على السجاد الأحمر في أعرق المحافل العالمية بفضل الدون!

في جميع الأحوال وصل رونالدو لمحطاته الأخيرة في مسيرته كلاب لكنّ الأكيد بانه سيبقى مرجعاً أكيداً لكل من يريد أن يصوغ نجاحاً، وملهماً صريحاً لمن تسوّل له نفسه بالتميّز، ليس في كرة القدم فحسب، بل في كل شيء.  اجتهاده في التمرين، و مواظبته على الجهد، والقسوة بحق نفسه رغم امتلاكه مقوّمات الحياة المترفة بالسعادة، لم تجعله يركن يوماً إلى الاستمتاع بالكسل، وكأنه يعيد تدوير ما قاله الكاتب الأورغوياني الكبير أدواردو غاليانو في حديثه عن نجومية كرة القدم: «كلّما نال شھرة أكبر، وكسب أمولاً أكثر، يصبح أسيراً أكثر. إنه يخضع لانضباط عسكري صارم، ويعاني كل يوم عقوبة التدريب القاسية (..) قد يشيخ لاعب الكرة قبل الثلاثين أيضاً (..) ليكتشف في صباح يوم مشؤوم أنه قامر بحياته وأن الشهرة قد تبخّرت. الشهرة سيدة محترمة مراوغة لم تترك حتى رسالة عزاء صغيرة!!»

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.