بازوليني.. من فانتازيا الشاشات لسوريالية الملاعب

المباريات طقسٌ إغريقي مسرحي

3 مايو 2023

وسام كنعان- دمشق

ما يزال مونديال ألمانيا عام 2006، محفوراً بذاكرة الجمهور. خاصة من المهتمين بالأدب والفنون! لأنّ حينها أراد ذاك المحفل الرياضي الاتكاء على الأدب ليكون جوهر الترويج الإعلامي للحدث الرياضي الأهم.. إذ وجّهت الدعوات لعدد من أهم أدباء العالم، بالتوازي مع تخصيص قسم خاص تحت عنوان «أدب الأقدام في المونديال» ليتاح للجمهور أثناء الدخول لحضور المباراة متابعة واقتناء أهم الكتب والروايات التي  عنيت بكرة القدم .

يقال أنه حضر الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو (1932/2016) الذي يمتلك مكتبة قوامها 50 ألف كتاباً بينها 1200 عنوان نادر،  ورغم تداول فكرة عدائيته لكرة القدم، إلا أن الرجل أوضح في كتابه «السفر مع السلمون» بأنه يؤمن بفضائل كرة القدم النبيلة، ويتابع المباريات بشغف في منزله لكنّ بعيداً عن صخب المولعين بها. والذين سخر من إقحامهم لأحاديث الكرة في كلّ شيء!  كذلك قال في إحدى حواراته الصحافية : «الرياضة في حد ذاتها، لا تقل احتراما عن الحب».

لكنّ الأمر سيختلف جذرياً عند مواطنه الكاتب والمخرج السينمائي الإيطالي الشهير بيار باولو بازوليني (1922/1975) الذي قتل بطريقة ما تزال لغزاً حتى اليوم أثناء طريقه لحضور مباراة كرة قدم. علماً أنه يعتبر من أهم سينمائي العالم، لكنّه أيضاً كان لاعباً ماهراً وعندما سألوه عما كان يود أن يكونه لو لم يكن سينمائياً قال بصراحة لا لبس فيها: «لاعب كرة ماهر، فبعد السينما تعتبر كرة القدم من أعظم المتع بالنسبة لي»

ومن لا يعرف فالكاتب والمخرج الراحل من أبرز المثقّفين الإيطالييّن على الإطلاق. عمل في المسرح والسينما، إلى جانب كتابته للشعر والمقالات. وقد حصدت أفلامه العديد من جوائز السينما العالميَّة لأشهر مهرجانات العالم، مثل مهرجان فينيسيا السينمائي ومهرجان برلين، ومهرجان كان. من أبرز أفلامه: «ماما روما» (1962) و «الساحرات» (1967)  و «ميديا» (1969) و «ألف ليلة وليلة» (1974) «120 يوماً من سدوم» (1975).

فيما كان له فلسلفة خاصة في تفكيك كرة القدم وإحالتها إلى الشعر والفن لأنه كان يعتبر المباراة احتفالية تشبه الطقس الإغريقي، مثل تلك  المشهدية التي صنعت المسرح الروماني القديم..

وغالباً فإن كرة القدم من وجهة نظره تصلح بديلاً عن العروض المسرحية،  وذلك لأنه حسبما يقول: «الملعب ساحة متكاملة فيها صراع ودراما وهزيمة وانتصار وفرحة وانكسار»  كيف لا والرجل كان أوّل من وصف  كرة القدم بأنها «لغة» كونها تضم مجموعة من الرموز التي يمكن فهمها والتعامل معها دون الحاجة إلى أية لغات أخرى، بل أيضاً ضمّن الكرة في أعماله الروائية كجزء أساسي من الحياة. وأوغل في هذا البحث والتأويلات الترميزية فيه.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما تخطّاه نحو تشبيهاته ومقارباته  المنسوجة على نول البلاغة كأمثلة لتوضيح بحثه في تحليل كرة القدم كلغة،  مشبّهاً اللاعبين الإيطاليين على النحو التالي:  بُلْغَارِلِّي Bulgarelli يلعب لعباً يندرج ضمن النثر: إنه ناثر واقعي. أما ريفا  Riva، فإن لعبه يندرج ضمن الشعر: إنه شاعر واقعي. بينما كُورْسُو يلعب كرةً تندرج ضمن الشعر، لا يمكن اعتباره شاعراً واقعياً: إنه بشكل من الأشكال من نوع الشعراء الملاعين، غريبي الأطوار. أما ريفيرا Rivera ، فإنه يلعب كرةً تندرج ضمن النثر، لكن نثره شعري، مثل لَعِبِ إلفزير Elzevir. أما عن مازُّولا Mazzola ، فهو إلفزيريّ آخر، بوسعه أن يكتب في جريدة كورييرا ديلا سيرا، لكنه أكثر شعرية من ريفيراً: وبين فينة وأخرى، يتوقف عن النثر ويبتكر فجأة بيتين شعريين لامعين! .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.