الشربيني عاشور: تجديد نازك الملائكة للقصيدة العربية كان استشرافًا للمستقبل

27 مايو 2023
نص خبر / مكتب القاهرة
احتفل بيت الشعر العربي بالقاهرة مؤخرًا بمرور مئة عام على ميلاد نازك الملائكة
كيف ترى سياقات هذه الاحتفالية
وكيف ترى ريادة نازك الملائكة لحركة شعر التفعيلة بعد سبعين عامًا من إطلاقها ؟!
بهذه التساؤلات توجهنا للشاعر والكاتب الصحفي الشربيني عاشور فأجاب :
مشاركة نازك الملائكة
لم يكن مفاجئًا أن يحتفل بيت الشعر العربي (بمركز إبداع الست وسيلة) تحت إدارته الجديدةبمئوية ميلاد الشاعرة الرائدة نازك الملائكة؛ فسامح محجوب منذ تولى إدارة هذا البيت وضح تمامًا أن لديه خطةً كبيرةً لإعادة الاعتبار لفن العربية الأول، بعد أن أغرقه الواقع الثقافي المتشظي من جهة، ومدعو الشعرية من جهة أخرى في برك الإهمال والابتذال، حتى تجرأ عليه البعض بإطلاق “كليشيهات” من مثل “زمن الرواية”، بل إن الفُحش وصل بأحدهم حد القول بأن “الرواية هي ديوان العرب” منتحلًا بذلك ما هو أساسٌ للشعر بغير منازع!
وفي هذا السياق يمكن فهم ما يقوم به سامح محجوب من جهد على المستوى الإبداعي كشاعر، وعلى المستوى التفاعلي كمسؤولٍ عن أحد مراكز الاشعاع الشعري والثقافي المهمة. ومن ثم يحق لنا النظر إلى فعالية الاحتفال بنازك الملائكة بوصفها إعادة اعتبار لفن العربية الأول من خلال الاحتفاء بهذه الرائدة، لا باعتبارها شاعرة عربية رائدة فحسب، ولكن أيضًا باعتبار رمزِّيتها المؤسسة لحركة الشعر العربي الحديث ممثلًا في شعر التفعيلة.
وبعيدًا عن اللغط الذي أثير حول التنافس على أسبقية الريادة بينها وبين بدر شاكر السياب وحتى على أحمد باكثير في بعض الآراء المفردة، فإن نازك الملائكة حازت إجماعَ مؤرخي الأدب العربي عليها كرائدة، وهو إجماع ــ في رأيي ــ لم يأتِ من فراغ؛ فعلى صعيد الإبداع كتبت نازك قصيدة التفعيلة، وكرست عالمها الشعري لتمكينها في عدَّة دواوين شعرية، وذلك في وقت عصيب حيث كانت القصيدة العمودية بكامل عافيتها، ولم تكتف نازك بذلك الجهد الإبداعي، وإنما دعمته أيضًا بجهد نقدي شارحٍ ومنظِّرٍ لهذا التجديد، الذي لم يكن قطيعةً وانقلابًا مجحفًا وقسريًا على شرعية القصيدة العمودية، وإنما كان استجابةً حتميةً لروح العصر، واستشرافًا لمستقبلٍ أكثر حرية ورحابة، وأكثر حضورًا وتكثيفًا لقضايا العرب في النهوض والتحرر، التي وجب أن يواكبها الشعر بتحرر مماثل من قولبة الشطرين لتتمدد التفعيلة عبر الأسطر، وفق حركة الاشباع التعبيري والموسيقى عن مضمون الحالة الشعرية، ودون عائق الالتزام العددي المقنن بالتماثل التفعيلي في الأشطر. وما استتبع ذلك من الحرية في نسج الصور وتكوينها التمثيلي، وتراوحِ الموسيقى بين القبض والبسط بما يعبر محتوى الحالة.
وإذا كان ما فعلته نازك الملائكة (قبل أكثر من سبعين عامًا) قد أقام الدنيا ولم يقعدها في حينه من الاتهام والتهجم والاستنكار، فقد جاءت السنوات التالية لتوضح أن ما أقدمت عليه (الملائكة) لم يكن تخريبًا، وإنما هو منجزٌ كاشفٌ لإمكانية التطور في القصيدة العربية، بتحريك ثباتها الايقاعي وفقًا لنهم القول، وشهوة الشاعرية.
لم تهدر نازك الملائكة دم القصيدة العربية، ولكنها رفدتها بدم جديد، أتاح للشعر العربي أن يعلن عن أحد أوجه الحضور المتألق في المشهد الثقافي العام، خاصةً بعد أن تلقف ما أقدمت عليه نازك الملائكة شعراءٌ من ذوي الوزن الثقيل في ميادين الفكر، وحدائق الشاعرية، وحقول اللغة، كرسوا جهدهم لتمكين هذا المنجز من الذائقة العربية بما قدموه من إبداعٍ تجاوز الطاقة الشعرية لنازك الملائكة نفسها، لكنه خدم في النهاية منجزها، وبلور جهدها وفي مقدمتهم، أحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي وأمل دنقل.
لقد أحسن بيت الشعر العربي برئاسة الشاعر الكبير سامح محجوب ــ فعلًا وصنعًا ــ بإقامة هذه الفعالية، التي أرجو لها أن تكون بمثابة القاء حجرٍ ضخم في نهر الشعر، لتتصاعد في إثره دوائر الإحياء والتجديد، ولينهض الشعر من قيلولته عفيًا، وليتخذ الشعراء من المناسبة حافزًا لميلادٍ جديد، تستعيد فيها القصيدة جمهورها ومكانتها التي يحاول البعض ــ نقادًا وناشرين ــ التشويش عليها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.