الدراما التركيّة المعرّبة.. ما لها وما عليها

الجمعة 26 مايو 2023
إيمان إبراهيم- بيروت
لم تعد الدراما التركيّة المعرّبة مجرّد ظاهرة طارئة يتمّ الرّهان أنّها لن تعمّر طويلاً، أسوةً بالدراما المدبلجة التي راهن كثيرون على أفولها، واليوم يكاد عمرها يبلغ العقدين ولا تزال باقية وتتمدّد.
بعيداً عن تقييم هذه الدراما، ثمّة نقاط قوّة ساهمت في انتشارها، هي نفسها قد تكون نقاط الضّعف التي إن لم يتنبّه لها صنّاعها، قد تصيبها بمقتل.

اقتباس القصص النّاجحة
قد تبدو القصص التي حقّقت نجاحاً في تركيا استثماراً مضموناً لصنّاع الدراما العرب، إلا أنّ الواقع يبدو عكس ذلك. فالدراما التركيّة مشاهدة في العالم العربي، وأي مسلسل مستنسخ هو عملٌ سبق للجمهور العربي أن شاهده وحفظ تفاصيله، وبات جاهزاً للمقارنة بين النسخة الأصلية والنسخة المعرّبة.
ولأنّ الكفّة تميل دوماً نحو الأصلي، يحاول صنّاع الدراما العرب الاجتهاد، كأن يقوم الكاتب بأخذ نواة القصّة الأصلية، ثم إدخال عناصر جديدة عليها، وابتكار خطوط دراميّة ثانوية، وغالباً تبدو هذه العناصر الجديدة وهذه الخطوط الدرامية المضافة نافرة ولا تمتّ إلى القصّة الأصليّة بصلة.
وأحياناً يحاول الكاتب التّذاكي بتغيير نهاية القصّة، فتأتي النهايات هزيلة منفصلة عن البدايات، ينتج عنها خللٌ في السّياق الدرامي، وفي تركيبة الشخصيات، كما حصل في مسلسل “الثمن”، حين حاولت الكاتبة يم مشهدي جرّ القصّة إلى منعطفات جديدة، فاخترعت عقداً ولم تجد فكّها، وأخذت القصص إلى سياق غير منطقي، جعل الجمهور يتحسّر على النسخة التركية الأصليّة.
التصوير في تركيا
يبدو التصوير في تركيا ساحراً لناحية المناظر الطبيعيّة الخلاّبة، إلا أنّ الأعمال المشتركة هي أعمال مفترض أنّها تدور في بيروت، ما يضع صنّاع الأعمال أمام تحدٍ كبير، خصوصاً في المشاهد الخارجيّة حيث تظهر السيّارات بنمر لبنانية، ولإقناع المشاهد أنّ الأحداث بالفعل تدور في لبنان، ترى العلم اللبناني يرفرف حتى على مكاتب الشركات الخاصّة، وهي ميزة تشترك فيها كل الأعمال المعرّبة من دون استثناء.
يحسب للتصوير في تركيا أنّ الحلقات تصوّر كل على حدا، يتمّ استئجار كل مواقع التصوير من بداية المسلسل إلى نهايته، فتتطوّر الشخصية تباعاً بحسب الأحداث، بينما في العالم العربي، يتمّ التصوير بحسب المواقع، تستأجر شركة الإنتاج موقعاً تنهي تصوير كل المشاهد فيه، ثم يتمّ الانتقال إلى موقع جديد، فيصدف أن يصوّر ممثل أولى مشاهده من حلقات متقدّمة من المسلسل، دون أن تتاح له فرصة التطوّر المنطقي مع الشخصية التي يؤديها. ما يفسح المجال أكثر أمام الأخطاء الإخراجيّة خلال عملية المونتاج.
الحلقات الطويلة
غالباً ما تمتد الأعمال المعرّبة إلى حلقات قد تتخطّى التسعين حلقة للموسم الواحد.
الحلقات الطويلة سيف ذو حدّين، هي من جهة تخلق نوعاً من الألفة بين المشاهد وأبطال العمل، ومن جهة ثانية تقع في فخ التطويل والملل، الذي يحاول كتّاب الدراما تفاديه عبر قصص جانبية، غالباً تخرج النص عن سياقه لأسباب سبق ذكرها.
في الأعمال التركية، ثمّة مشاهد عاطفية جريئة يتمّ اقتطاعها في النسخ العربية، وتحلّ مكانها فراغات يحاول صناع الدراما ملأها بحواراتٍ طويلة، تبدو أشبه بحشو لا لزوم له. الحل تقليل عدد الحلقات أو أقلّه مدّة الحلقة، كي لا تدور الأحداث في فراغ ممل يصيب العمل بمقتل.
الأبطال
يُحسب للدراما التركية المعرّبة أنها أخرجت الممثلين من دائرة الشللية، والخضوع لشركات إنتاج محدودة في العالم العربي، ولسيطرة النجم الأوحد على العمل حدّ تدخّله في النص والإخراج.
فالأعمال التي تصوّر جميعها تحت عباءة MBC ومنصّة “شاهد”، تحرص على التنويع في أسماء الممثلين، خصوصاً الأعمال المشتركة اللبنانية السورية، حيث يغيب الأبطال الذين غزوا الشاشات لسنوات طويلة، لصالح آخرين حُجبت عنهم الأضواء.
هذه الأعمال لم تعد المجد إلى نجوم ظننا أنّ نجمهم قد أفل فحسب، بل ساهمت في تعزيز مفهوم البطولة الجماعية، حيث يتساوى كل نجوم العمل بمن فيهن نجوم الصفّ الثاني، في الظهور لناحية أهميّة ومساحة الدّور، ما يخلق متعةً في المشاهدة واكتشافاً لمواهب لم تُعطَ فرصاً من قبل.
العرض عبر المنصّات
بالتّزامن مع عرضها عبر قنوات MBC، تعرض الأعمال المعرّبة عبر منصّة “شاهد” التي أعادت ترتيب أولوية المشاهد العربي. لم تعد “نتفليكس” مهرباً من التوقيت الصارم للمحطات والإعلانات الترويجية المزعجة، بل باتت المشاهدة حسب الطلب للأعمال العربية عبر “شاهد” ملاذاً للجمهور العربي، لتصبح الفرضيّة القائلة إنّ المحطات التلفزيونية تعيش أيامها الأخيرة أكثر إقناعاً.
لم يعد المسلسل مرتبطاً بموسم، فهو إن وجد على المنصة، بات متاحاً لكل المواسم.
يبقى أنّ الدراما المعرّبة مهما ارتفعت أسهمها، ليست أكثر من محاولةٍ لاستنساخ نجاح الأتراك بعيداً عن صنع نجاحٍ عربي أصلي، في معادلة غير مفهومة لصنّاع الدراما الذين احترفوا الابتكار منذ سنوات، ثمّ عندما لاحت أمامهم بوادر الاستنساخ رموا أسلحة الابتكار جانباً وذهبوا في طريق ظنّوا أنّه أسهل، إلا أنّ التجربة أثبتت أنّه أصعب بكثير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.