البر دين وسلف…!!

 

سلمان بن محمد العمري

20 نوفمبر 2022

أتألم وأنا أشاهد كبير السن أو كبيرة السن في المستشفيات والمراكز الصحية وهم يدفعون بعربة من قبل السائق أو العاملة المنزلية، وأتساءل أين أبناء وبنات هؤلاء الذين سهروا على راحتهم والداهم، وبذلوا أموالهم وأوقاتهم، ما هذا التجافي والعقوق والإهمال؟

وأتذكر أن رجلًا كبيرًا في السن أصيب سائقه بكسر في قدمه وحزن عليه حزنًا شديدًا لا لأن عمله سيتوقف، ولكن لأن هذا الرجل الوفي قدّر خدمات السائق الإضافية له فهو الذي يوصله للمسجد يوميًّا، ويذهب معه للمناسبات والمواعيد، وقدم له أعمالًا لم يقدمها له أبناؤه.

وامرأة صالحة قضت معها خادمتها ما يزيد على عشرة أعوام كانت الخادمة تذهب لإجازتها وحينما قررت الخروج النهائي وعدم العودة، ما كان من صاحبة العمل إلا أن قدمت لها مبلغًا كبيرًا يعادل راتب سنة كاملة تقديرًا لما لقيته منها خلال فترة عملها.

هؤلاء الآباء والأمهات وجدوا من يعملون معهم من الحنان والإيناس والخدمة مالم يجدونه عند أقرب الناس، وعوضوهم ما فقدوه من أبنائهم وبناتهم، وهناك من يقابل هؤلاء بالوفاء والعطاء والحب قولًا وعملًا في حين أن بعض الأبناء غفلوا عن زيارة والديهم وتفقد حاجاتهم وخدمتهم حتى في أحلك الظروف وعند مراجعة المستشفيات.

ومع هذه الحالات السلبية فهناك أبناء بررة وأوفياء لا يدخرون جهدًا في سبيل خدمة آبائهم وأمهاتهم قبل أن يحتاجوا إليهم وبلا طلب منهم، وفي كثير من المناسبات نرى الرجل في المقعد حينما يأتي للمناسبة والدعوة يحفه أبناؤه ذات اليمين وذات الشمال فلا يكتفي واحد منهم بمرافقته بل نجد اثنين من أبنائه أو أكثر بصحبته ويلازمونه في مراجعاته ومواعيده ويقضون لازمه في مواقع أخرى، ويكفونه مؤونة العناء والمراجعة.

يحدثني أحد الإخوة عن رجل فاضل وجارٍ لهم قد قارب التسعين عامًا ويحضر الصلوات في المسجد، وفي كل فرض يرافقه اثنان من أبنائه يدفعون عربته ويقفون بجانبه في الصلاة، ويتنافسون أيهم يحظى بدفع العربة وهم كبار في السن وغطى الشيب رؤوسهم ومنازلهم ليست قريبة من منزل والدهم، ولم يتركوا الأب في رعاية الخادم أو السائق.

نحمد الله تعالى أننا لم نصل لمرحلة دور العجزة وأربطة المسنين، ولكن ثمة أمراً في القصور في خدمة الآباء والأمهات بدأنا نلحظه حينما نرى الابن والابنة يطلبون من السائق أو الخادمة مرافقة والدهم أو والدتهم “المنوم” في المستشفى أو حينما يسافر الأبناء والبنات في فترات الصيف، ويبقى كبير السن في المنزل برفقة الخدم بلا جليس ولا أنيس، والأدهى والأمر والمؤلم حينما تجد الابن والبنت في نفس المدينة وقد يمر الأسبوع والأسبوعان ولم يقم بزيارة والديه في حين أن الرفاق والرفيقات لا يتأخر في زيارتهم ولقاءاتهم المتكررة، ولدي قناعة تامة بأن الذي لا خير فيه لوالديه لا خير فيه للناس، حتى وإن أظهر للآخرين لطافته وحسن تعامله، وقيامه بأعمال وخدمات متعددة، وهو مع والديه مقصر أو عاق أو معنف.

أيها الأبناء بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، والبر دين وسلف؛ فإن أنت عملت في بر والديك فسوف يبرك أبناؤك، وإن أسأت وقصرت؛ فانتظر هذا في قادم الأيام .. والله المستعان.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.