مئوية سيّد درويش.. معجزة الموسيقى العربية (الحلقة 3- موته)

12 سبتمبر 2023

سامح محجوب – نص خبر

تكلمنا في اول حلقتين عن حياة سيد درويش وتأثيره على مصر والموسيقى العربية برمتها، واليوم نتناول موته وما حصل له ونعيد تحليل الشائعات والأقاويل التي صاحبت الحدث الهائل بموت شاب في مقتبل العمر، دون أية مقدمات.
ففى التاسع من سبتمبر لعام 1923 يرحل سيد درويش بشكل درامي مفاجيء ولا يشيعه سوى نفر قليل من أهله وجيرانه بينما يغيب الشعب الذي انشغل بعودة سعد زغلول من المنفى ويعلم فيما بعد برحيل قيثارته بدون سابق إنذار ، الأمر الذي فتح المجال واسعًا لجدل لم ينته حتى بعد مرور مئة على الرحيل .
ففي عدد  4 ديسمبر من عام 1965 من جريدة أخبار اليوم، وتحت عنوان: كيف مات سيد درويش؟ ينقل محمد التابعي رسالة من شخص اسمه منصور جاب الله يقول فيها  إن الطبيب علي حسن، الذي كان يعالج سيد درويش في أيامه الأخيرة، أخبره أن الفنان “أصيب بنزلة شعبية حادة تحولت إلى ذات الرئة”.
كن جاب الله يستطرد قائلا إن الشيخ مفرح محمود، وكان ملازما لدرويش، زاره ليلة 14 ديسمبر في منزل شقيقته، ووجده راقدا في الفراش، ولما سأله عن حاله رد عليه بكلمة واحدة: “شاي”، وفي صباح اليوم التالي مات، ويقول الشيخ مفرح أنه فهم من ذلك أن السم دُس له في قدح من الشاي.
وفى السياق ذاته ينقل التابعي شهادة الشاعر محمد يونس القاضي، والذي كان شريكا فنيا لسيد درويش، أن صديقته “جليلة” قامت بحقنه بحقنة مورفين بناءا على طلبه، ثم تركته في تيار الهواء فترة طويلة حيث أصيب بنزلة شعبية حادة، كما جاء في شهادة الطبيب علي حسن.
ويضيف التابعي إن كل أصدقاء سيد درويش الذين ما زالوا على قيد الحياة، سنة 1965، يؤكدون أنه لم يمت قتلا أو مسموما أو بسبب المخدرات، وإنما السبب هو ذبحة صدرية حادة قضت عليه في عدة ساعات.
ويذهب التابعي كل مذهب متطرقًا لقصة “جليلة”، التي وصفها الكثيرون بالصديقة المخلصة لفنان الشعب، والتي كانت معه حتى وفاته، ويصفها بأنها كانت “امرأة مستهترة، فارعة الطول، معروفة عند تجار الصاغة الصغرى بالإسكندرية باسم “أم ركب”، وأن تاجرا اسمه محمد عباس خطفها من سيد درويش، وأغدق عليها الهدايا الذهبية، وهو ما أثار غضبه عليها ودعاه لهجائها في “طقطوقة” تقول:
بيقولوا مرة عمل خلخال
ينفع ركب لـ 3 بغال
سألت مين لبسته يا عيال؟
قالولي دي جليلة أم ركب.
والغريب فى الأمر أن التابعي لا يذكر أن “جليلة” الراقصة التي كانت تعيش فى الإسكندرية غير جليلة الزوجة الثالثة في حياة سيد درويش والتي كانت تعيش فى شارع جزيرة بدران بشبرا وقد درويش قبل وفاته بـ 5 سنوات وأنجب منها ابنه حسن سيد درويش. ولقد عاشت جليلة حتى سن الـ 72، وماتت عام 1978، وكان الرئيس السادات قد كرمها ومنحها معاشا استثنائيا قبل وفاتها بعامين .
وهذه شهادة أخرى  ترويها، حسب جريدة “الأهرام”، المطربة القديمة حياة صبري، التي كانت ملهمة سيد درويش، وقيل إنه تزوجها عرفياً قبل وفاته، حيث روت للصحفي  الراحل يوسف الشريف كيف مات سيد درويش قائلة: إنه كانت هناك إحدى العائلات الثرية في الأسكندرية ، وقدم أحد أبناء العائلة للشيخ سيد مطربة كان يحبها لتدريبها على الغناء، ولم يعجب درويش بصوتها فقالت الفتاة لحبيبها إن الشيخ سيد يغازلها، وعلى الفور قام الشاب بدعوته على العشاء ووضع له مخدر المورفين في الشراب ليموت بعدها.
لكن محمد حسن درويش، حفيد سيد درويش نفى رواية حياة صبري، قائلاً إنها “كاذبة”، مؤكداً أن جده لم يتزوج حياة صبري، ولم يدفن سراً، ولكن تم التعتيم على وفاته من حكومة الملك فؤاد والاستعمار حتى لا تلتهب مشاعر الجماهير وتزداد ثورة الشعب، ولم يسر في جنازته إلا أقاربه وجيرانه .
وذكرت “الأهرام” أيضًا نقلاً عن حفيده محمد حسن سيد درويش أن “من قتله هو الاحتلال الإنجليزي عن طريق إحدى الأسر الصديقة لسيد درويش والخائنة للوطن ولسيد درويش، والتي تم إغراؤها بالمال، حيث أعدوا له عشاء بمناسبة الانتهاء من لحن استقبال سعد زغلول، وتم دس السم له في الطعام، وبمجرد عودته إلى المنزل وافته المنية ولم تتمكن الأسرة من إسعافه على الفور”.
وأوضح الحفيد أنه “نظراً لشكوك الأسرة والمحيطين طالبوا بإخراج الجثمان وإعادة تشريحه لمعرفة سبب الوفاة، فامتنعت السلطات ورفضت تنفيذ هذا الطلب، لتأكدهم من دس السم له وخافوا من افتضاح الأمر”، وهذه هي رواية النهاية المؤكدة لوفاة سيد درويش عند أسرته.
من الشائع أيضًا أن سيد كان قد أحسّ بتأثير السم عليه بعد تناوله للعشاء فى ليلته الأخيرة وأنه نادى على والدته وأختها وقال لهم ” سمّوني ولاد الكلب ” ولم يسمي أحدًا  ! الأمر الذي يزيد غموض هذا الرحيل المباغت لشاب ثلاثيني يتمتع ببنية جسدية قوية ولا يشكو من أي مرض .. ما يتبقى لنا وللتاريخ أن نقر لدرويش بأنه أحد أهم وأكبر التحويلات فى تاريخ الموسيقى العربية والشرقية حتى أن الدرس الموسيقي يتحدث عن الموسيقى تاريخيًا وفنيا واصطلاحيًا  بجملة ما قبل سيد درويش وما بعد سيد درويش وهذه المكانة ليست بنت ملابسات المولد والهلاك بقدر ماهي ابنة الموهبة الفارقة التي منحت موسيقى درويش حق الوجود والحضور الطاغي بعد مئة عام من رحيلة وستمنحه أبدية لا تنبغي إلا لنفر قليل من البشر لم يمروا على الحياة مرور العابر .
قد يعجبك ايضا