17 سبتمبر 2023
حاوره: هاني نديم
منذ أول بيت شعري كتبه فرقان كاظم، لفت نظري ووقعت في حب ما يكتب، شابُ لديه معجمه المصنوع بعناية وقصيدته الصادقة، يكتب بجرأة ويمحو بجرأة أيضا، التقيته بعد فوزه بإحدى جوائز الوطن العربي، وكان كقصيدته دمثاً وصادقاً. سألته:
- كيف كانت البدايات؟ أحب أن أسأل هذا السؤال للشباب دوماً لأعرف آلية توجههم للكتابة في هذا العصر الرقمي
– في البدء كانت العلاقة مع النص رسائلية كتبت طفلا رسائلي لأب مسافر، وكبرت وكبرت رسائلي معي للحبيبة والوطن القريب البعيد. لا يفوتني أن الغناء هو أعز رفاقي وأجمل أحلامي, لم يكن بوسعي أن أكون المغني فحاولت أن أكون أبا للغناء.. كتبت القصيدة الأولى عاشقا لكن لم أتقنها إلا باكياً.
ولد نصي الأول الناضج في الفقد الأول أو ربما هي لعنة البيئة التي لا تحفل إلا بأساها، أصابت الحالم الفتي مع تراكم الوعي والقراءة، لم يعد الشعر حبيس الفرح والحزن بل عرفته شاسعا كالكون ورفيقا ألجأ إليه لئلا أكون وحيدا.
تغير النص مع تراكم الوعي والقراءة ربما كانت البواكير مقتربة من مساحة شاعر أحببته أو قصيدة أثرت في نفسي، أنا الآن صديق فكرتي وسؤالاتي لم يعد النص مجرد حلم تموسقه اللغة والعروض بل صار شاسعا ليسع حياتي بل أجدني في قصيدتي أكثر مما أجدني في الواقع.
أنا في نصي أهرب من لا محدوديتي إلى أناي المطلق لأؤله الآلهة واقترح الأكوان كما تشاء مخيلتي
- تحب الشام.. أحب أن اعرف سر تلك العلاقة.. حدثني عن دمشق وسوريا وعلاقتك بها
– ربما لم أولد في سوريا
ولم يدفن حبلي السري فيها
ربما دفن سر روحي في دمشق
لا حبلي السري
أو كنت غصن دالية
في حياة سابقة
وإلا لماذا تصر روحي أن تظل (مشرشة) هنا
ولا ألتقيها الا ههنا!
منذ طفولتي وقلبي يحبها
زارها قبل أن أزورها
سوريتي، التي أغرمت ببحرها وبشرها وشجرها، يشجيني شجاها ويفرحني حبورها كأن لي فيها دارا وأهلا.. ولا أراني بحاجة الى التشبيه بل لي أهل وديار فيها
تعلمت فيها كيف ترتجل الحياة من قلب الفاقة والصعوبة.
الشام رقصة النبض على إيقاع اللهفة المدينة التي أغرمت فيها قبل أن أراها. قرأتها في حزن عبد الرحمن حين حاز الملك فلم يعدل عنده نسمة في رصافة هشام عرفتها في شعر نزار والجواهري ودرويش وغيرهم من غنوا الشام فعشقتها أسوةً بهم. كما لا أخفي ان للشام في تكويني الروحي والثقافي حضوراً لايقل عن حضور بغداد أحببت دمشق بملء القلب. هي أم المدن التي تجيد عناق الوافدين لتترك عطرها شاخصا في أرواحهم فيسافرون معها لايسافرون منها.
دمشق الأحبة الأصدقاء الطيبين الخصب الذي لون قصيدتي من عينين سوريتين علماني الحب ومنحتا قلبي فرصة التحليق في سماوات الحب لأقترح العاطفة قصة أخرى لخلق الكون لا أنكر انتماء روحي لهذا الجمال لهذه المدينة التي علمت القلب مالم يعلم عرفت روحي إلى شغفها وأخذتني إلى سابع أفاق الحلم مسافرا عروجه فكرته واسراؤه لهفته
أحب دمشق نبيا يهاجر نحو المحبة
لا غار قربي سآوي إلى شرفة الياسمين
ويأتي الملاك بهيئة طفل يبارك حزنك في العالمين..
يكمن الخلل في السوشال ميديا بانتشار الإسفاف بمن لا يجيد التمييز بين الرصين والرخيص ولا تختلف عن مافيا التصفيق في المحافل الشعرية
- كيف ترى المشهد الشعري العراقي والعربي.. وخاصة بعد طوفان السوشال ميديا؟
– الشعر بوصفه أمس عناصر البيئة بها ربما ليس فنا محاكيا على نحو الإطلاق ولكن يصيبه ما يصيبها، وحين يكون الحديث عما أضافته السوشيال ميديا ومنصات التواصل
ينبغي علينا أن لا نفصل بين الشوكة والوردة! للتقدم التقني فضله في إيصال المنجز الإبداعي على نحو مسموع أو مقروء أو مرئي بزمن قياسي وليس الأدب عن ذلك ببعيد..
فالسوشيال ميديا مثلما ذللت الصعاب على محبي الأدب؛ منحت منابر مجانية لمن يمتلك الجودة ومن لم يملك أسباب الكتابة الإبداعية ولم يحرز نزرا يسيرا من الوعي.
عرفني الانترنت وبرامجه التواصلية على كثير من الجميلين من شركاء الحرف والهم الجمالي والتجارب الشعرية التي أثرتني على المستويين الإنساني والشعري، ربما يكمن الخلل في انتشار الاسفاف بمن لا يجيد التمييز بين الرصين والرخيص ولا تختلف عن مافيا التصفيق في المحافل الشعرية. لمن يمتلك القبول الواسع بدرجة تفوق معطاه الجمالي ولا تختلف عمن ينشغل بحل الكلمات المتقاطعة وبرج اليوم عن هموم الثقافة وحتى هم الإنسان.
خلاصة القول إن المشهد العراقي والعربي ورغم الآثار الجانبية السوشيال ميديا فيه الكثير من المجيدين الرائعين والشباب والواعدين وأن السوشيال ميديا على علاتها قربت المسافة وعززت الروابط ونحن حين نذكر مثالبها فمن غير المنصف أن لا نمر على جمالاتها.
- بعيدا عن الشعر.. كيف يعيش فرقان.. ما هي أحزانة وأفراحه .. أصدقاؤه وهواياته .. الموسيقا.. فيروز؟
– بعيدا عن الشعر ؟.. تخيفني هذه الجملة فأنا أعانق قصيدتي مثل طفل يخاف إفلات يد أمه!
خارج نصي أعمل معلما أحاول أن آخذ إجازة من المجاز لأتواصل مع أطفالي التلاميذ، ربما لست معلما ناجعا! أنا في أحسن أحوالي عريف صف! فالشاعر الذي يرى المسؤولية صليبا يهرب منه يطغى علي في جل حياتي، أما الأصدقاء أنا أقرب اصدقائي لي أصغي لي كثيرا وأحدثني ربما أخاصمني أحيانا، لكن أحب أصدقائي وأقرب أصدقاء روحي من كان لهم مساس بالشعر والأدب من اشاطرهم الحديث عن الأغنية والبحر العروضي والضرب البلاغي.
أحزاني كعراقي يسكن في منتصف المسافة بين الجنوب والنجف بوصفها محط رحال الأحبة الراحلين بدأت مع الحزن مفارقا أبا سافر لسنوات في حقبة الفاقة والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، لم أكن صديقا جيدا للحزن كنت أسرق بطاريات المذياع لئلا تبكي أمي بحّة ناعي الحسين، وهاربا من فراق البطل والبطلة في مسلسلات الدراما وأفلام السينما.
هذا الحزن الذي أخضعني بعد سنوات بعد أن سلبني أبوي لأواجه الحياة أعزلا من كل شيء إلا قصيدتي وأغنيتي الحبيبة “فيروز”..
صوت الله سيدة الأرض أمي التي اقترحتها حضنا مسموعا منذ طفولتي وازداد تعلقي بها مع ازدياد الوعي حد أن أخشى من اليوم الذي لا يسعني أن أصغي إليها واغني معها واقول لها بلسان عراقي (صباح الخير يايمه)! تعلمت من أغنياتها الحب والحياة وبغداد ودمشق ومكة وتعرفت إلى رب يصغي بعناية لمن يعاتب لا يهملنا ولا ينسانا لأنه شمس المساكين كنت ولازلت أعتقد إن لهجة فيروز هي اللهجة الأجمل للعشق والصلاة والحزن المهذب حد أن أتورط في محبة لهجتها المحكية حد الهيام ومحاولة الكتابة على مذهبها
وفي ذلك قلت:
أريد لي وطناً حلواً كضحكتها
فيروز ربته والعشق مذهبه
له نبيته والورد شيعتها
ومصحف لثغة النيسان تكتبه
لا نزف في أرضه لا حرب تفتنه
إلا دموع مواويل تخضبه