علي عبدالأمير عجام: أستعيد البلاد عبر كتاباتي

12 سبتمبر 2023

حاوره: هاني نديم

يعمل علي عبدالأمير عجام في حقول ثقافية متعددة، فهو صحافي مخضرم، وناقد ومحاضر موسيقي إلى جانب أنه كاتب وشاعر صدر له العديد من الإصدارات. منذ أول سطر تقرأه لعجام حتى تأسرك انتباهاته الواعية ومقارباته الفارقة، وهذا بالطبع نتاج مسيرته المهنية الطويلة التي أمضاها في أروقة كبرى المنشآت الصحفية إلى جانب تكوينه الثقافي الخاص، التقيته في هذه الدردشة السريعة حول الموسيقى العراقية والصحافة وهوامش شخصه المبدع.

  • بين الشعر والموسيقى، أيهما اليك أقرب، وكيف ومتى تتنقل بين الفنين؟ هل جمعت بينهما في الإعلام؟ أم هذا حقل منفصل؟

-حقاً الشعر حقلٌ منفصلٌ عن الموسيقى فيما خص نتاجي الشخصي، فالمرتبة العليا تظل للشعر على الرغم من كوني مقتصداً للغاية في إصداره كمجموعات مطبوعة، فديواني الأول “يدان تشيران لفكرة الألم” صدر في العام 1992 والثاني “خذ الأناشيد ثناءً لغيابك” في 1996، و”بلاد تتوارى” 2005 وأخيراً “تلويحة لشراع بعيد” 2022، وليست مفارقة أن يكون كتابي الأول هو في الثقافة الموسيقية “فصول في الموسيقى الغربية المعاصرة” 1990، ذلك أن نتاجي الشعري ظل، كما أنا كمفهوم ثقافي، ليس مرحباً به من قبل السلطات العراقية السابقة التي تحتكر النشر أو تراقبه بمنظورات ليست ثقافية ولو لا انحسار سطوة السلطة بعد هزيمة 1991 الكارثية لما صدر كتابي الشعري الأول.

نعم أنا أنتقل بحرية بالغة بين الفنين الشعري والموسيقي ولكن بحسب الدربة المتحصلة في الكتابة، لا أقوم بترحيل مفهومي الشعري على دراساتي وبحوثي الموسيقية، فبقدر ما أكون حراً ومحلّقاً في الشعر كبناء ولغة، أكون صارماً في نقد الموسيقى لجهة استخدام المعرفة الدقيقة في الأشكال التأليفية للأنغام وودلالاتها وتحديداً الدلالة الاجتماعية وهو ما صار دالاً عليّ كمنهج في نقد الموسيقى، ففي حين أتبع ذلك المنهج في كتابتي للجمهور الواسع، أكون ناقداً كلاسيكياً في التظاهرات والمحافل الموسيقية المختصة.

 

  • هل توافقني أن الحزن مثلما أفاد الأغنية العراقية أضر بها؟ إذ لا تبدو كالغناء العربي الذي يتميز بحزن شفيف له حدود يقف عندها كي لا يتحول إلى جارح أو مؤذ، إذ لا حدود للحزن في الأغنية العراقية ولا ضفاف. كيف ترى الأمر من وجهة نظركم؟ ومتى بدأ هذا الحزن في الموسيقى العراقية؟

-نعم ونعم ونعم، لقد أضرّ الحزن بالأغنية العراقية بمسار بالغ، ولقد عرضت لهذا الجانب مطولاً ضمن كتابي “رقصة الفستان الأحمر الأخيرة- سبعة عقود من تاريخ العراق المعاصر عبر الغناء والموسيقى” 2017، ومرد ذلك هو عوامل عدة، أبرزها:

1غياب البيئات النغمية والثقافية العراقية نهاية خمسينيات القرن الماضي، فبعد التنوع في أشكال، غناء المدينة وبضمنه المقام العراقي الرفيع، غناء الريف، غناء البادية، وثمة غناء على حدة، هو غناء البصرة المتأثر بالبحر، وصلنا في سبعينيات القرن الماضي إلى أغنية لا ملامح محددة لها، فهي نتاج المدينة لكنها ريفية المفردات والروحية إلا ما ندر.

2سيادة العقائد “الثورية” وفق مفاهيم وتجارب شخصية على الشعر الشعبي (ومنه شعر غنائي حزين كثير كان يترسم المسار الكارثي لتلك العقائد) وهذا كان ريفي الهوى والمضمون بينما توارت أغنية المدينة الرقيقة والبسيطة النصوص والأنغام كونها أغنية الطبقة المتوسطة المتعلمة المهذبة. أي تعالى صوت الريف الحزين على حساب صوت المدينة المتعدد المشاعر ومن بينها مشاعر الحب العصري المتأنق الرقيق.

3 كان التحول إلى هذا الشكل (ريفي حزين- هجين) مع “تأميم” الغناء والموسيقى بقرار من سلطة الحكم في العقد السبعيني عبر احتكار النتاج الموسيقي والغنائي، وهو ما جعل نبرة ذلك الغناء، نبرة سائدة بل وحيدة أو تكاد.

أحب تجارب الشباب في الشعر، كما في كتابة سرديات أخرى أدبية وفكرية مثلما أحب تجاربهم في الموسيقى

  • هل ظلم الشعر العراقي بقية الفنون والإبداعات؟ كيف ترى المشهد الثقافي العراقي؟

– وهذا صحيح أيضا، ولكن ليس الشعر وحسب بل الأدب، فكاد معظم النتاج الثقافي العراقي لعقود، نتاج الأدب وبعض الفنون، وهو ما يعني بالضرورة انسحاب المراجعات الفكرية والمعرفة النقدية عموما، فالفكر النقدي يعني اشتباكات مع الواقع، والواقع ملك السلطة الحاكمة منذ العام 1958، لذا تراجع الفكر النقدي لصالح التهويمات التي يزخر بها النتاج الأدبي على وجه التحديد.

والمشهد الثقافي العراقي شديد التنوع اليوم حد التشرذم، فهو مشهد محكوم بانقسام البلاد وعياً فكرياً وعقائديا، لكنه يحفل بمؤشرات مهمة أبرزها متشكل من نتاج الأجيال الجديدة الناقدة لمشهد البلاد اليوم بما فيه من قيم بالية سائدة ومجافية للمنطق العلمي المعاصر. أحب تجارب الشباب في الشعر، كما في كتابة سرديات أخرى أدبية وفكرية مثلما أحب تجاربهم في الموسيقى، لكنني لم أجد هذه الروح المتغايرة في نتاجات فنية كالمسرح والتشكيل الذي كان إلى حين معني بتأصيل الحداثة الغربية في ملامح محلية ونجح في ذلك ليتراجع كثيراً.

 

  • حدثني عن علي عجام خارج المهنية والأكاديمية، الأصدقاء والبلاد والحياة

-حتى 17-5-2004 كنت أوقع نتاجي تحت اسمي (علي عبدالأمير) بدون اسم العائلة. في ذلك اليوم اغتيل أخي ومعلمي ونبراسي الناقد والمفكر والعالم في هندسة التربة ومدير الشؤون الثقافية قاسم عبدالأمير عجام. وهنا أضفت إلى اسمي لقب العائلة إيمانا بضرورة استمرار المعنى في سيرة أخي الذبيح. هكذا تناديني بسؤالك (حدثني عن علي عجام) ولذا وجب التوضيح.

أما عن الأصدقاء فقد بات الحقيقيون منهم نادرين للغاية، ذلك أن تجربة مريرة باتت حصيلتي منهم، وتحديداً تجربة فتحت فيها قلبي قبل بيتي (أثناء اقامتي الأردنية 1994-2003 ) للعشرات إن لم أقل المئات من عراقيين معظمهم من العاملين في الحقول الأدبية والثقافية عموما، ولم أجد منهم إلا النكران لا بل أشكالاً من الإساءات. ذلك يفت في عضدي كثيراً وضمن حصيلة من الخسارات المادية والروحية والصحية حين كنت واهماً للغاية في اقامة علاقات محبة وثقة معهم. ليس غريباً أن أفضل أصدقائي اليوم هم من يحبون الموسيقى الرفيعة والنغم الجميل فذلك عائد إلى تعريف شكسبير لمن يهوى الموسيقى فهو “لا يخون”.

عن البلاد اليوم، فأنا لا أعرفها مثلما هي لاتعرفني بل لاتعترف بمعنى شخصي وثقافي كالذي أتكون فيه وأعمل بمجاله، وقد أصبح عنوان ديواني الثالث “بلاد تتوارى” أقرب إلى الحقيقة، ولذا أستعيد البلاد عبر عمل كتابي وتوثيقي واسع ومنظم يعنى بتوثيق ذاكرتها الوطنية التي تعرضت لكثير من النهب والتدمير والتشويه، أي أستعيد بلادي الشخصية التي هذبتني وعلمتني وقبل كل ذلك منحتني الحياة.

وعن الحياة، أبدو راضياً وزوجاً سعيداً، أعمل بجهد في إدارة قناة تلفزيونية عراقية تبث من اسطنبول وأستمع إلى الكثير الكثير من الموسيقى (من الكلاسيك إلى الروك والفيوزن مرورا بالجاز) فأبتهج أحياناً وأحزن أخرى فأخرج من شقة صغيرة تأويني إلى رحاب ضفة على البسفور ومعي كاميرتي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.