10 سبتمبر 2023
تبدلت مسيرة الصحافة برمتها مع دخول الصوت ثم الشاشة، تلك الشاشة التي أصبحت ضخمةً جداً واستقلت لتصبح فناً من الفنون العظيمة يقال لها: “سينما”، فأصبحت الفن السابع إلى جانب بقية الفنون “الرسم، النحت، العمارة، الأدب، الموسيقا، الرقص”، لتصبح لها مساراتها المستقلة والحيوية والمؤثرة على المجتمع.
صحفياً، ثمة مصطلح اسمه “صحافة السينما” وهو بتقدير الخبراء، أحد أهم المسارات أهمية للأجيال الجديدة. ويُقصد بصحافة السينما هي الصحافة المصورة كأفلام، وثائقية أو تسجيلية أو حوارية أو ديكو دراما. إلا أنه دخلت عليه حديثاً ألعاب الفيديو، وهو أمرٌ وجد قبولاً لدى فئة كبيرة من الشباب، باتت تأخذ أخبارها من الألعاب، حيث تبني الألعاب هيئتها و”لوكيشناتها” وتصوراتها على أخبار مصورة بالأصل من مناطق الحروب، تلك الألعاب بنيت على الواقع وعادت بتأثيرها عليه، فعلى سبيل المثال: في حرب أوكرانيا وروسيا، نقلت الشاشات حالات حصار ومواقع محددة دمرت وتم اقتحامها من قبل القوات الخاصة، لاعبو الفيديو، بنوا تصورات عن عمليات اقتحام أخف ضرراً مما حصل، وأكثر دقة ونتيجةً، تلك النقاشات التي كانت تدور والحروب المصغرة على الشاشة كانت تعود بالفعل إلى أرض المعركة بشكل أو بآخر!
ثمة لعبة اسمها “حرب الناتو”، وبحسب تيرا ميغان الخبيرة في هذا النوع من الألعاب، فإن الناتو بنفسه يستفيد من اقتراحات اللاعبين. لقد أثرت تلك الألعاب السينما والأنيميشن ومدتها بشخصيات خيالية مثل شخصيات الفيلم الأكثر ربحاً في العالم Marvel’s Avengers Endgame.
تسأل الغارديان مجموعة من اللاعبين: لماذا سيشاهد الشباب السينما الخيالية التي تدور حول حدث ما وردت تفاصيله في نشرة الأخبار، لكنهم لم يهتموا أبداً حينها؟ يكاد يجمع اللاعبون أن السينما والألعاب تحرك الخبر من مكان إلى آخر.
بعض المختصين بالألعاب يرى أن صناعة الأخبار هي في حد ذاتها بنية نمطية واعية مشتقة من السينما، قبل أن يتم التخلص منها لاحقاً. تيرا ميغان قادت فريقاً من الصحفيين الدوليين من خلال برنامج محاكاة الألعاب الحربية التابع للناتو. تقول: “لقد كان مشروعاً رفيع المستوى حيث سافرنا من قاعدة نورثولت العسكرية إلى السويد على متن طائرة جلالة الملكة. رافقتنا طائرة مقاتلة في المجال الجوي البريطاني.
أراد الجيش معرفة المزيد عن كيفية تغطية وسائل الإعلام للحروب غير المتكافئة. السينما الخيالية والألعاب، والتصورات المتولدة عن الواقع.
مثلاً: نحن في خندق نحاول الإبلاغ عن سيارة مليئة بالجرحى. لكن من حولنا قناصون يوجّوهون مناظير الليزر الخاصة بهم علينا. ماذا نفعل؟ هذه لعبة على مستوى الواقعية، وهي ليست المرة الأولى بالنسبة لي. تلك اللحظات يحلّها غالباً اللاعبون أكثر من الخبراء العسكريين، ثم من تلك النتيجة تبنى سينما جديدة، وأخبار صحافية جديدة، بل وربما خطط عسكرية جديدة.
تجيب تيرا عن سؤال الغارديان حول من أين بدأ الأمر، ألعابنا ليست جديدة تماماً، قد يكون مسلسل حرب النجوم الشهير هو أول شكل سينمائي لتصوراتنا اللاحقة. اليوم انفجر الأمر في تيك توك وانستغرام وتطبيقات الألعاب.
في منتدى المحررين العالميين في السويد تجمع مئات الأشخاص من فنيين وصحفيين وخبراء، وتم اعتبار الصحافة السينمائية الجديدة، تقوم بعمل جريدة كاملة كما تقوم الدرون بعمل فرقة اقتحام عسكرياً.
لقد منحت مقاطع الفيديو والجوال والطائرات بدون طيار أنماطاً جديدةً مضافة إلى بنية الصحافة، وأصبح هذا النوع الصحفي السينمائي الذي يتعامل مع القصة مثل مخرج في موقع تصوير. الصحفيون السينمائيون يمتازون بمواهب وتخصصات متعددة، ويتحكمون بأكثر من مسار لسرد قصتهم بطرق إبداعية وهادفة وعاطفية وواقعية. إنه طرح جديد بدءاً من اللغة، والمحور، والموقع، والصوت، والأسلوب.
اليوم في المملكة المتحدة، BBC مثلاً؛ هنالك خبراء لتحويل الصحفي من كاتب إلى صحافي فيديو. أنها خطة ناجحة تجدي نفعها مع الشباب والممارسين الجدد، لكنها ما زالت خارج تصورات الصحفيين القدامى.
في مداخلة ديفيد دنكلي جيما، أحد الشباب الفائزين بجائزة Knight Batten الصحفية المرموقة، قال في كلمته: “كنت أعرف أن صحافة السينما هي المرجوة اليوم، ها هي تعمل وتخبر الصحفيين القدامى أننا اليوم في مرحلة جديدة تتطلب صحافة السينما، وجائزتها اليوم من أكثر الجوائز حظوة في الولايات المتحدة، هذا ما قاله حكام تلك الجائزة التي أقف اليوم على منصتها في مؤسستهم المهيبة National Press Club، ها أنا أتفوق على Newsweek و CNNوأبشّر بالمستقبل.
برلين بعد أمريكا والمملكة المتحدة بدأت بفتح ورشات عمل وبرامج تدريب للصحافيين التقليدين للتحول نحو صحافة السينما. بدورها، قامت شركة Apple بتوفير التطبيقات والبرامج والآليات لدعم هذا النوع من الصحافة، مع امتيازات تخفيض للصحافيين.