راميا حامد: للأدب الفضل الكبير في إثراء تجربتي

14 سبتمبر 2023 

حاورها: هاني نديم

راميا حامد فنانة خاصة جداً، تعمل بشغف ودأب منقطع النظيرـ تطور لوحتها ولا تركن إلى ما وصلت إليه، تداخل بين الفنون والمدارس في لوحة واحدة، متنقلة بين المسرح والرواية والشعر والتشكيل بل والنحت مرات. وهذا سبب مضاف لنهتم بتلك التجربة اللافتة. دردشت معها حول الفن ومفاهيمه وعلاقته ببقية الفنون.. سألتها:

  • كيف كانت بدايتك مع الفن ولماذا التخصص بالوجوه ما الذي يغريك فيها؟
– اكتشفت شغفي بالرسم منذ الطفولة، في المرحلة الإبتدائية كنت أدخر مصروفي المدرسي لشراء دفاتر الرسم وعلب الألوان والطباشير الملون كنت أرسم في كل مكان، دفاتري مقعدي المدرسي، الجدران والأرصفة حتى جدران المنزل لم تنج من رسوماتي، هذا الشغف بدأ ينمو تدريجياً في مرحلة المراهقة، اكتشفت قدرتي على رسم الوجوه.. ربما يعود السبب لشدة تعلقي بالوجوه التي أراها، فهي نافذة لإكتشاف الأشخاص بالنسبة لي، حيث لديها لغتها الخاصة البعيدة عن التكلف التي لا تحتاج للكلمات، لا تغريني كل الوجوه ولكن هناك وجوه تملك ثيمات خاصة وطاقة تعبيرية تثير خيالي ومشاعري ورغبتي في رسمها.
هنالك الكثير من الشعراء استقوا قصائدهم من اللوحات التشكيلية
في مرحلة متقدمة وبعد إنتهائي من المرحلة الثانوية اتجهت لدراسة الحقوق في جامعة دمشق وهو اختصاص بعيد جدا عن الفن، وهذا من الأشياء الغريبة التي حدثت في حياتي رغم شغفي الكبير بالرسم، ولكن مع الوقت شعرت بعدم الإنسجام وعدم قدرتي على الإستمرار وازدادت رغبتي في دراسة الفن التشكيلي والغوص في فضاءات هذا العالم المدهش، درست الفن التشكيلي دراسة خاصة ثم تقدمت لمسابقة القبول في نقابة الفنانين التشكيلين وتم قبولي، وهنا بدأت مسيرة جديدة، في بدايتي تخصصت برسم الوجوه بدافع إثبات جدارتي بالرسم ولكن في مرحلة متقدمة ولكثرة الوجوه التي رسمتها شعرت بالإكتفاء وابتعدت عن هذا الإختصاص وذهبت إلى تجربة مختلفة ومن ثم إلى تجربة أخرى، فأنا أفضل مبدأ التجريب وضد فكرة أن يتمسك الفنان بمنجزه المرحلي.
  • ماذا عن علاقة الفن ببقية الفنون من مسرح وأدب وموسيقا وغيره، كيف يثري هذا اللوحة، ولوحتك تحديدا؟
– هناك علاقة وطيدة وحميمة بين جميع الفنون بالمجمل هي أشبه بالسلسة كونها تُعبر جميعها عن حالات إنسانية ووجدانية. ولكن المدهش بالأمر أنه لكل منها خصوصيته وأدواته بالرغم من هذا الرابط القوي بينهم، طالما يوجد هذا الجامع فما المانع أن تتداخل وتخدم اللوحة، هذا التداخل يمنح اللوحة غِنى وجمال ويُثري تجربة الفنان بقوة، أيضا الفن التشكيلي له تأثير كبير على باقي الفنون من مسرح وسينما وأدب. فعلى سبيل المثال؛ المخرج الإيطالي العبقري “فيدريكو فيلليني” كان يرسم مشاهد أفلامه قبل تصويرها يرسم الإضاءة والشخوص والحركة ، الظل والنور .. كذلك الأمر بالنسبة للفنان المدهش “إدوارد هوبر ” لقد استخدمت لوحاته في صناعة الكثير من الأفلام الأميركية حتى قيل عن لوحاته بأنها تمثل المشهد الأمريكي المعاصر،  الأمر الذي كان يزعج هوبر ويرفضه لأنه يعتبر بأنه يرسم ذاته الداخلية.
أيضا هنالك الكثير من الشعراء استقوا قصائدهم من اللوحات التشكيلية، وهنا أحب أن أقول رأي شخصي حيال هذا الأمر أعتقد بأن مزج الأدب بشكل مباشر وفج مع اللوحة قد يفقدها الكثير من خصوصيتها والحالة الجمالية التي تتسم بها، مثال على ذلك الرسم الكاريكاتوري حيث نجد فنانين يستخدمون الكلمات والعبارات ضمن رسومهم لتوضيح الفكرة، وهذا الأمر يفقد العمل الخصوصية ويوحي بالخفة، أفضل أن يقدم العمل الفني نفسه بدون إضافات وعدم شرحه من خلال الكلمات. أما عن لوحتي بشكل خاص لقد أغنت هذه الفنون لوحتي بشكل كبير، إذا أردت أن أتحدث بصدق أكثر، فإن هذه الفنون وخصوصا الأدب لها فضل كبير في إثراء تجربتي وتطورها، من المعروف أن لوحتي تقوم على “السرد البصري” لذلك استطعت من خلال قراءتي للكثير من الروايات والكتب وبشكل خاص للمسرح وتعمقي به بتطوير طاقة التعبير والخيال لدي، لا شيء يستطيع تطوير تجربة الفنان مثل القراءة.
أذكر عندما قرأت كتاب “وجوه خبيئة ” لسلفادور دالي شعرت بأن هناك حالة من السحر والدهشة تغلفني و هذه الحالة أحالتني لتجربة جديدة، هذا يؤكد على دور الأدب في دفع الفنان بإتجاه التطور والتجديد وقدرته على التعبير بشكل مميز وعدم الركون لتجربته التي قد تذهب بلوحته لحالة من التكرار والملل، هناك فرق شاسع بين الفنان المطلع المثقف وغير المطلع.. سوف نلحظ هذا الفرق من خلال لوحته، طبعا هذا الأمر يسري على جميع الفنون والإختصاصات وليس فقط بمجال الرسم. مثال على ذلك الكاتب الإيطالي “ليوناردو شاشا” الذي كتب عن ممارسات المافيا و أساليبها والذي اقتبس من إحدى كتابه المخرج ” فرانشيسكو روسي ” فيلم ” جثث ضخمة ” عندما توفي شاشا قال فرانشيسكو : بفقدان ليوناردو شاشا خسرنا مرجعا هاما للغاية في مواجهة المافيا وفي الكفاح ضد انتهاكات وفساد السلطة السياسية .
  • بعيداً عن التشكيل واللون، ماذا تحبين من أغانٍ وكتب وهوايات.. كيف تعيش راميا حامد خارج لوحتها
– لدي شغف كبير تجاه القراءة يوازي شغفي بالرسم، أقرأ كثيرا في الأوقات التي لا أرسم فيها، هذا الشغف بدأ مبكرا معي أذكر أني قرأت أول كتاب في سن الحادية عشر، وهو “الحب في زمن الكوليرا” لماركيز في مرحلة مراهقتي.. والمراحل التي تلتها كنت أحب أن أقرأ أي كتاب يقع بين يدي، كان لدي ميل للأدب الروسي قرأت دوستويفسكي وبوشكين وفاسيلي جوكوفسكي ونيقولا غوغول.
في مرحلة أخرى قرأت همنغواي وماركيز وديكنز وشكسبير وإيميلي برونتي و تشارلز ديكنز وتوماس هارد و باولو كويلو وتشارلز داروين، ولكن في مرحلة متقدمة وبعد دخولي في مجال الفن التشكيلي أصبحت أميل لقراءة كل ما له علاقة بالفن التشكيلي وتاريخه، مراحل تطوره وحياة الفنانين القدماء والمعاصرين وكتب التصوير والمسرح، اقرأ بشكل يومي وأطلع على مسيرتهم وتجاربهم وأشعر مهما قرأت مازال ينقصني الكثير من المعرفة في هذا المجال، كما أخصص وقت بشكل يومي للإطلاع على أعمال فنية وتجارب مختلفة هذا الأمر يساعد على تطوير ذائقة الفنان البصرية والارتقاء بها، أحب السينما الغربية أكثر من العربية وأتابعها عندما يسمح لي الوقت.
أما عن الموسيقى؛ فأحب السيمفونيات العالمية، مثل أعمال فيفالدي و شوبان وبيتهوفن، أحب أندريا بوتشيلي ولوتشيانو بافاروتي كما أحب كلود بازاروتي وليوناردو كوهين أما عشقي الفني فهو خوليو إغليسياس.. أسمع أغانيه بشكل يومي أثناء الرسم لدرجة أشعر أنه شريكي في لوحاتي.
أصدقائى ِقِلة وهم يشبهونني
بعيدا عن لوحتي أقضي معظم وقتي مع العائلة ، العائلة بالنسبة لي هي الأهم، أولي إهتمام كبير لقضاء أوقات معهم، بالنسبة للأصدقاء لا أملك الكثير من الأصدقاء، أنا حذرة وإنتقائية جدا في هذا الأمر، لذلك أصدقائى ِقِلة وهم يشبهونني ويوجد أشياء مشتركة بيننا سواء بأسلوب الحياة الميول الفكرية و الثقافية، الوقت الأجمل بالنسبة لي أن أتشارك حديث مع الأصدقاء عن الفن التشكيلي بشكل خاص وعن الثقافة والحياة بالعموم.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.