القيصر في بيروت.. من أين يأتي النوم؟

4 يوليو 2023
إيمان إبراهيم- بيروت
بكت الطفلة العراقية ابنة الثالثة عشر وهي تتمايل على أغنية “تبغدد علينا”، التي غناها الفنان كاظم الساهر في حفله في بيروت بناءً على طلب عراقيين في صالة الفوروم دي بيروت، تقول إنّها أحبّت كاظم منذ شاهدته في “ذا فويس كيدز”، وكان حلمها أن تحضر واحدة من حفلاته، وحقّق أهلها حلمها بقضاء إجازة العيد في بيروت، ختامها مسك مع حفلة القيصر.
قبل سنوات، كنت تشاهد جمهوراً يغلب عليه الطابع النّسائي، انقلب المشهد مساء أمس الاثنين في بيروت، جمع كاظم جمهوراً من كافة الأعمار، نساء ورجال، لبنانيون وعراقيون على وجه الخصوص، معظمهم جاء خصيصاً إلى العاصمة اللبنانية لحضور الحفل، حملوا معهم أعلام عراقية، وبعضهم حمل علم كردستان.
من المدرّجات كانوا يصرخون بغداد، غنى لهم “تتبغدد علينا واحنا من بغداد”، بالكاد كان يُسمع صوته وسط هدير الجمهور، تحوّل إلى كورال يحفظ الأغاني والنوتات، ولا يحيد عنها.
قمّة التواضع كان الساهر، لمح بين الحضور ابنة بلده النجمة رحمة رياض، استدعاها إلى المسرح بعد أن أشاد بصوتها، وأتاح لها فرصة مشاركته ديو عفوي. في حضرة الأستاذ الكبير، كانت رحمة على قدر التوقعات.
لم تكن مجرد حفلة عادية، لمطرب كبير يقف على المسرح في أيام العيد، حيث يصطاد الناس لحظات الفرح، ويختارون بين حفلات تنتشر اليوم للانتقام بمفعول رجعي من جائحة أجلستنا في المنزل أكثر من سنتين، وأسكتت صوت الحفلات، وتركت الكثير من السكون المميت.
هي ليست مجرد حفلة تشاهدها وتخرج، ثم تقول إنّ الفن لا يزال بخير، وإن القيصر لا يزال قيصراً، وإنّ كاظم حين يقف على المسرح تقف أمامه كل الأغاني التي تسجّل في الستوديو وتستخدم فيها أهم التقنيات موقف العاجز. بل هي حفلة الصمود، على بعد أمتار من مرفأ بيروت الذي لم يتعاف بعد من الانفجار، وسط عاصمة تقاوم لتقهر كل أنواع القهر، تعاني انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، فيصبح شراء تذكرة حفلٍ لفنان كبير موضع جدل، هل يحق للمقهور أن يفرح ولو على حساب الحاجيات الأساسية؟ ومن قال إن الفن واقتناص لحظات فرح ليست حاجات أساسيّة؟
بين حفله في دبي، وحفله في بيروت فارق يومين، في بيروت كان كاظم يدرك أنّه لا يغني للجمهور نفسه الذي كان ينتظره كل سنة في مهرجانات بيت الدين، يوم كان لبنان بخير، أو أقله كانت الأمور تسير على ما يرام، كان يدرك أنّ لا شيء يبقى على حاله سوى حبّ الجمهور له.
“مدرسة الحب”، “يا مستبدة”، “هل عندك شك”، “أنا وليلى” وغيرها الكثير، اختتم كاظم بـ”أحبيني” وعندما ودّع جمهوره، انتبه هذا الأخير أنّه أمضى في حضرة الفن الأصيل ساعتين، أشبه بلحظات مرّت سريعاً، بانتظار لقاء يتجدّد مع القيصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.