الجوائز بالعشيرة – وحيد الطويلة

وحيد الطويلة

في اجتماعات الجامعة العربية التي يطلق عليها ” المكلمة”، حين لم يجدوا عملًا مفيدًا، اقترح أحدهم عمل حلقة عن كل دولة لتعريف أبناء الوطن العربي بدوله، بالأحرى بحكوماته وأمجادها في تحرير الأرض والمواطن، استغرق الأمر جلسات طويلة، ومع أن الفكرة براقة وتكفلت بها القنوات التلفزيونية فيما بعد ببساطة، إلا أن سؤالًا قفز على وجوه المتحدثين، من هي الدولة التي سنبدأ بها أول حلقة؟

للأمانة حاول المجتمعون حسم إلإجابة سريعًا، لكنهم لسوء الحظ وصلوا متأخرًا، وخرجت أول حلقة للنور أو للظلام بعد عشر سنوات، بعد أن حسموا أمرهم في السنة الثامنة بأن يكون الترتيب أبجديًا حسب البروتوكول.

الموضوع بالدور، والصراع على الكراسي الأولى وأماكن المقدمة هو صراع العشيرة، كل الدول تريد أن تثبت طول قامتها وعظم مؤخرتها رغم أنهم يجلسون تحت لافتة واحدة وجملة مكرورة طيلة الوقت: العمل العربي المشترك.

هذا ما حدث في الجوائز العربية على الأرجح، حين يكون رئيس اللجنة أردنيًا يفوز كاتب أردني وحين يكون رئيس الفريق عراقيًا في غيبة رئيس اللجنة غير المهتم أو غير العارف يفوز عراقي، وتحولت جائزة ما مؤثرة إلى جائزة تمنح شهادات كشهادات التطعيم.

عندما أقول جائزة فأنا أقصد جائزة البوكر تحديدًا، فالجوائز الأخرى مع اعترافنا بأهميتها ودورها، تمر مرور الكرام وتصب فقط قيمتها في جيب صاحبها وناشره، ولا تؤثر في المشهد العام ولا تلفت النظر لكتاب جديد إلا نادرًا، لكن البوكر لأسباب لا أدعي معرفتي بها ظلت تصنع هذا الحراك لسنوات.

ربما يكون السبب من وجهي نظري – أو الذي يعنيني – أنها صارت بعد فترة من ظهورها حكمًا بالقيمة، وهو ملمح لو صدق يضفي على أية جائزة ثقلًا وموضوعية، لكن ذلك الشرط هوى بعد سنوات من الروايات المتوسطة في أفضل الأقوال أو بالمجاملة.

كنت أقف في أحد معارض الكتاب بالخليج، وسيدة جميلة أنيقة تسأل الموظف في دار النشر: أريد رواية جميلة، وهو يقترح عليها أسماء وهي ترفض  أو قرأتها، حتى صاح بفرحة واقترح عليها: هذه رواية من القائمة القصيرة للبوكر، ردت السيدة  بسرعة: لا أريد أية رواية من البوكر!

للأمانة جاء رد السيدة مباغتًا ومفاجئًا.

لكن الناس لم تر السيدة ولا سمعت بها وربما هناك مثلها كثيرون، تقول ذلك عن جائزة تكاد هو الوحيدة التي تصنع حراكًا حقيقيًا وينتظرها كثيرون، والمراقب للأمر أو حتى من يدخل صفحات السوشيال ميديا  وقت القائمة القصيرة سوف يجد أربعة أو خمسة صحافيين يدقون طبول الحرب الروائية، ينشرون كل نصف ساعة ويعقدون المقارنات ويتحزب كل واحد منهم لكاتب بلده، ليسوا وحدهم بل يشاركهم جمهور الفقهاء الأدبي حين يأتي اسم كاتب من جلدتهم في إحدى القوائم ، بعضهم يدق الطبول وبعضهم يشهر التعاسة في وجه الجميع، مرة: البوكر تتجاوز الدولة الفلانية في قوائم البوكر، ومرة الدولة العلانية تفوز بنصيب الأسد في القائمة الطويلة، وننتقل على الهواء مباشرة من عمل فردي يخص صاحبه إلى حكم العشيرة.

روائي من بلد عربي حين جاء في لجنة التحكيم خرجت القائمة الطويلة بأربعة روائيين من بلده، إثنان منهم يستحقان الجوائز في الحقيقة وربما أخطأتهما في دورات سابقة بسبب قوانين العشيرة.

كاتبة ليس معروفًا عنها أنها تكتب أصلًا، كتبت رواية جاءت في القائمة الطويلة، هذا وارد، كل منا عنده رواية يحكيها، وقد تكون جيدة، للأسف لم تكن، بعد دورتين  كتبت واحدة جديدة جاءت على منوال سابقتها، بالصدفة وجدت أمامي بداية المؤتمر الصحفي لإعلان القائمة وبعد البداية بدقيقة وجدتها تكتب على صفحتها اسم روايتها التي ترشحت قبل أن يعلن المجتمعون أسماء الروايات، سمعت كلاما كثيرًا من الخبثاء، لكنني لا أمضي بالشبهات وإن كانت.

أقول ذلك لجائزة البوكر تحديدًا، أنظر إليها بعين طيبة، وأحتار فيما جرى بالعين الأخرى، لو عرف أصحابها أنها مثلت في لحظة حكمًا بالقيمة حتى ولو كان به شطط، ولو رأوا الكاتبة المشهورة وهي تقدم الروائيين في ندوة وحين يأتي دور واحد ورد اسمه مرة في قائمة للبوكر تكاد تقوم من مقعدها ترقص وتهلل، لو عرفوا ذلك لتحروا نصف العدالة.

ولو عرفوا أن معارضًا للكتاب لا تبحث عن الكتاب الحقيقيين، بل تدعو فقط الذين وردت أسماؤهم في قوائمها إلى جانب شماشرية الجوائز بالطبع.

لو عرفت البوكر ذلك لكانت أكثر جدة ونزاهة، حتى لا يغني زياد رحباني لها: “إرخي القصة شو بدك عيف”.

الجوائز جميلة، تنعش سوق القراءة في عالم عربي لا يقرأ، تعيد للكاتب بعض تعبه على هيئة هدية لطيفة، تنقذ الكتَّاب من ضنك العيش وتجعلهم مشهورين أو معروفين ليوم واحد أمام لاعبي الكرة.

الجوائز جميلة، ضرورية ومفيدة، لكنها ما استطاعت، يجب أن تخرج من حكم الشللية والعشيرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.