19 يونيو 2023
إيمان إبراهيم- بيروت
انتظرنا 90 حلقة فانتهى مسلسل “الثمن” مشكوراً عند الحلقة 89، فعلياً هو انتهى في منتصف الطريق عندما غاب عند الحلقة 51 في شهر رمضان وعاد بإيقاع بطيء وأحداث انقلبت على المنطق، بدا أنّ الكاتبة يم مشهدي أضاعت أوراقها في منتصف الطريق.
لم تخرج الحلقة النهائية عن سياق المسلسل الذي لا يُنتظر منه شيء، قصّة حب عظيمة تكللت بزفاف مرّ سريعاً، تشعر أن العروس أرادت رمي باقة الزهور ومغادرة هذا السيرك سريعاً، يشاطرها شعورها المدعوون والمشاهدون.
انتهى المسلسل وانتهى معه الكثير من السوداوية.. يعاني الممثلون على مدى حلقات، مشاهد فارغة حتى من الحوارات، موسيقى تصويرية كئيبة، يغرقون حلقات طويلة بالملل والسكون والصمت، وعندما يأتي الفرج تكون مشاهد الفرح معدودة، مثال على ذلك زفاف زين وسارة (باسل خياط ورزان جمال).
دخل الممثلون إلى موقع التصوير وبين أيديهم خمس حلقات فقط، قيل لهم لا تشاهدوا النّسخة التركية من المسلسل كي لا تتأثروا بالشخصيات، ثمّ قيل لهم إنّ الشخصيات التي سيؤدّونها لا علاقة لها بالنسخة الأصلية، وإنّ الأحداث ستكون بنات خيال الكاتبة يم مشهدي.
ماذا فعلت يم؟ تتحفّظ الكاتبة وفريق عمل المسلسل عن البوح بحقيقة ما جرى، ولماذا تحوّل مسلسل بدأ بداية متماسكة إلى أشبه بمسلسل كرتون لا يحترم ذكاء مشاهديه، وكيف انقلبت الشخصيات على ذاتها، وكيف أدخلت محاور لا علاقة لها بالسياق الدرامي بدت دخيلة عليه، ولماذا بثّت حلقات كثيرة لم يكن فيها أي حدث جديد، وأقحمت الكثير من الأحداث في حلقة واحدة؟ وكيف أصبح أصحاب الشخصيات الثانوية فجأة أبطال المسلسل، وكيف انتهت أدوار بدون مبرر درامي؟
انتهى المسلسل دون أن نعرف لماذا أفلس ابراهيم مطر (رفيق علي أحمد) جراء حادثة قد يتعرّض لها أي رجل أعمال؟ وكيف خاضت الكاتبة في أمور لم تكلّف نفسها عناء البحث عنها؟ مغالطات كثيرة وقعت فيها حول قانون الضرائب في لبنان يحصل هذا عندما يوكل إلى كاتبة سورية كتابة مسلسل لبناني يصوّر في تركيا. واحدة من الأمور الطريفة ظهور رقم هاتف لبناني من 9 أرقام في حين أنّ الهواتف اللبنانية مؤلفة من 6 أرقام فقط.
دخلت الكاتبة عالم المافيات في الحلقات الأولى، فظهر رجال المافيا بليدين سذّج، مؤامراتهم مكشوفة وحجج دفاعهم غير مقنعة.
ثم أدخلتنا في عالم الديون، استدانت تيما (سارة أبي كنعان) بالفائدة مبلغاً وفي اليوم التالي أعادته، كان عليها أن تبيع سيارتها لتسديد الفوائد. استسهال التهويل وخلق دراما من لا شيء.
حتى في الأمور الطبية، لم تكلّف الكاتبة نفسها عناء البحث والسؤال، دخلت في مغالطات طبية حول مسألة التلقيح الصناعي، حين أخبر الزوج عشيقته أنه مخلص لها، وأنه لجأ إلى التلقيح لأنّه يرفض لمس امرأة غيرها.
أدخلتنا الكاتبة بعدها في اكتئاب ما بعد الولادة، اكتئاب على طريقة يم مشهدي تتحوّل فيه الأم إلى عدائية، فاقدة للمثل الأخلاقية.
أما في مرض كرم (نيكولا معوض) فوقعت الكاتبة في سلسلة مغالطات، خضع كرم لعلاج كيماوي استبقه بحلق شعره، صمدت ذقنه ولم تتساقط.. حتى موت الشاب المريض بدا مفتعلاً، لم تحترم معاناة مرضى يقرأون نهايتهم في تجارب الآخرين، كان للمريض أن ينتهي بعد أن يهزمه المرض، إلا أن مشواره مع المرض بدا مبهماً ونهايته كذلك.
قد نجد العذر لكاتبة بدأت بالكتابة وانطلق التصوير وهي لا تزال في حلقاتها الأولى، ثم أكملت نصها تحت الضغط، لم يترك لها مجال للإبداع، إلا أن لا مبرر لكل هذا التراخي، الذي يستخف بعقل المشاهد وقيمته كمتلقٍ يقبل بأن يعرض عليه فتات أفكار لا تقنع حتى أصحابها.
يعطي “الثمن” دروساً للقيّمين على مشاريع الدراما التركية المعرّبة، أن اختيار أسماء كتاب نجحوا في الدراما العربية لا يكون دائماً موفقاً، ثمّة كتاب بارعون في ابتكار أفكارهم الخاصة، وعندما يطلب إليهم إعادة تدوير أفكارٍ استهلكت يكون مصيرهم الفشل.
كما يعطي دروساً أن تغيير القصّة غالباً ما يأتي بنتائج مشوّهة، يلتقي العملان حول عقدة واحدة، العمل الأول وضع كاتبه العقدة والحل، أما العمل المستنسخ فيضع كاتبه حلولاً لعقدٍ لم يبتكرها وغالباً يخفق.
وختاماً يبقى على الممثلين الاختيار بين المجازفة بقبول عملٍ لم تنجز حلقاته بعد معتمدين على اسم الكاتب، اثبتت التجربة أنه حتى كبار الكتاب يخفقون، أو أن ينتظروا أعمالاً منجزة كي لا يكون مصيرهم مثل مصير أبطال “الثمن”، يؤدون شخصيات لا تقنع حتى كاتبتها.
“الثمن”.. ماذا فعلتم بالنسخة التركية؟
المشاركة التالية