أمومة بعدة نكهات

ريم يونس – كاتبة سورية مقيمة في بلجيكا

 

عيد الأم في بلجيكا هو الأحد الثاني من شهر أيار. دُعيتُ إلى حفلة في مدرسة طفلي شمس للاحتفال بالأمهات، كان في الحفلة خليط جميل من أمهات العالم وكان الأجمل اختلاف نكهة الأمومة، كل أم حسب بلدها.

جلست كل أم بجانب طفلها ووزعوا علينا فواكه لنقطعها ونضعها في إناء كبير، وهكذا حتى امتلأ بسلطة فواكه. لكن وبسبب كمية الفواكه القليلة مقارنة بعدد الأمهات والأطفال الكبير بدا الإناء الذي امتلأ بالفواكه المقطعة غير كافٍ لكلِّ هذا العدد.

وزعوا على كلٍّ منَّا صحناً فيه مجموعة من القطع المتنوعة من هذا الإناء الكبير. بدأ الجميع يأكل، وفي الحال خطر لي أن أنتظر حتى ينتهي طفلي من صحنه، ربّما سيطلب المزيد وخصوصاً أنه لم يتبق أي قطعة في الإناء الكبير. “إذن سأعطيه حصّتي!” هكذا فكّرت. جلست أراقبه وهو يأكل وأراقب الأطفال والأمهات حولي. نظرت، كل الأمهات تأكل باستثناء أم تركية الأصل، تجلس مثلي تراقب طفلها. وأكثر الظن أن هذه الأم التركية فكرت بنفس طريقتي.

بعد قليل:

معظم الأمهات وقعن بجدال مع أطفالهن، الأطفال انتهوا ويريدون المزيد، والمزيد يعني من صحن الأم! وهنا كانت ردود أفعال الأمهات مختلفة بحسب جنسية بلدها. كان طفلي منشغلاً بتناول صحني، وأنا كنتُ منشغلة بالتفكير بكل ما يحصل حولي من جدال. بالتأكيد لم أفهم كل اللغات التي كنت أسمعها لكنَّ ملامح الوجوه وايماءات الجسد كانت كافية لأفهم مايدور حولي.

وكانت ردود الأفعال ملفتة للنظر، فعلى سبيل المثال: أم روسية، تقاسمت ما تبقى من صحنها مع ابنيها التوأم. أم تايلاندية/ آسيا: كانت تأكل هي وطفلها بصمت حتى انتهوا، ولم ينظروا حتى لبعض أثناء تناول الفواكه. الطفل لم يطلب المزيد، والأم بالمقابل لم تعرض أية قطعة من صحنها.

معظم الأمهات الأوروبيات كانت أجوبتهم كالتالي:

  • أم بلجيكية قالت لطفلها بوضوح: “أنتَ لك حصتك وأكلتها وأنا لي حصتي وسآكلها” طبعاً اقتنع الطفل ولم يجادل أكثر.
  • أم إسبانية لم تكمل صحنها لأن طفلها بدأ بالبكاء ويريد المزيد، فأعطته ما تبقى لديها.
  • أم من غانا/ افريقيا كانت تأكل ببطء شديد و تختار قطع الفريز لطفلها وتضعه في صحنه وحتى قبل أن يطلب ذلك.

أنا والأم التركية لم نأكل شيئاً، وأكل أطفالنا صحوننا وصحونهم. حسناً انتهينا!

قدّم الاطفال رقصة جماعية ثم وزعوا علينا وروداً مصنوعة من الورق الملون وانتهت الحفلة. خرجنا وأنا أسأل نفسي” هل تصرفتِ بشكل تربوي يا ريم؟ ” “مَن الصح ومَن الخطأ في طريقة تربيته؟”  “هل الأمور نسبية كذلك في التربية حسب اختلاف الثقافات والجنسيات؟”

بقيت الأسئلة تدور في رأسي حتى وصلنا البيت. وما أثار انتباهي مبالغتنا نحن الأمهات الشرقيات في مقدار العاطفة تجاه أولادنا.

تتمدّد قلوبنا أمام أطفالنا وتصبح بساطاً يحملُ أرجلهم الصغيرة ليحميهم من حصى طرقات الحياة، تسبقنا مخيلتنا أنهم في خطر، نقول لأنفسنا، قد يجوعوا وقد يشعروا بالعطش أو البرد، نتوقع أن الأسوأ سيحصل معهم فترانا نملأُ حقائبنا كل أنواع الطعام والشراب ولباساً احتياطياً للبرد، بينما يكون المشوار الذي سنخرج فيه معهم، في عزّ الصيف وفي أقرب حديقة من البيت!

حسناً، لنعترف أننا نغرقهم بالإشباع العاطفي ومن نافورة قلقنا.

فكرة العطاء والتعاطف وحتى طريقة التعاطي معه بمختلف أشكاله عن طريق الحضن والقبلات واللمس قد نبالغ فيها أحياناً. على الرغم أني أراها من أجمل تكوينات المرأة الشرقية. والمرأة التي أراها أمّاً كيفما اتجهت، إن أنجبت وإن لم تنجب تمسّها الأمومة حتى تقودها إلى هذا الطغيان اللذيذ من العاطفة. فراشات الحدس تحوم حول فطرة الأم لترشدها أخيراً إلى نبعة أمان أطفالها. تساؤلات تتردد في مخيلة كل أم لتسحبها أمومتها في النهاية إلى الجواب الشهي المليء بعاطفة لا تنتهي مهما حصل، إنه الحب؛ وقود هذه الأمومة الذي لا ينضب.

بالمناسبة عندما وصلنا البيت قمتُ بتقطيع الكثير من الفواكه وجلسنا نأكلها سوياً وكنتُ أقول لنفسي: “حسناً، لن أقلق الآن أن طفلي سيطلب المزيد، لدينا ما يكفي من الفواكه لحفلة أخرى أيضاً”.

قد يعجبك ايضا