16 مايو 2023
يارا حسين – نص خبر
تحتفل جمهورية تركيا بالذكرى المئوية لتأسيسها في 29 أكتوبر وسواء كانت ديمقراطية تعسفية أو استبدادية فإن ذلك يعني حكم أكثر من 60 مليون تركي هم الذين سيتقدمون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في 14 مايو.
كانت الرهانات أعلى مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ عام 1950 عندما – وفي نفس التاريخ – خسر حزب الشعب الجمهوري “جمهوريت هالك بارتيسي” لمصطفى كمال أتاتورك وخليفته عصمت إينونو (الذي حكم البلاد منذ تأسيسها) أول انتخابات حرة ونزيهة في تركيا أمام الشعبوي الناشئ عدنان مندريس.
ليس من قبيل الصدفة أن تأتي الانتخابات الحالية في ذكرى تلك التي أطلقت الديمقراطية التركية المتعددة الأحزاب اختيار رجب طيب أردوغان الذي حكم تركيا على مدى العقدين الماضيين (أطول من أتاتورك نفسه) هذا التاريخ على وجه التحديد لصداه وكأنه يشير إلى أنه خليفة مندريس الشخص البسيط الذي أصبح سياسي والذي هزم المؤسسة “الكمالية” في صندوق الاقتراع وحكم لمدة 10 سنوات حتى تم عزله من قبل الضباط الكماليين وتم الحكم عليه من قبل قضاة “كماليين” وشنقه.
يحب أردوغان تصوير نفسه على أنه الوريث المخلص لمندريس وبطل للجماهير المتدينة ضد العلمانية التي أسست البلاد وحكمتها بالإكراه في البدايات لكنه تمكن لاحقاً من ترويضهم وجعلهم يقفون في صفه.
تقوم سياسة أردوغان على اللعب على مظالم واحتياجات الناس من خلال تقديم الخدمات لهم لدرء ضرر الشامتين الذين واجههم– كمندريس- ومحاولاتهم للإطاحة به بشكل غير ديمقراطي من قبل المحاكم والجيش، ومثل مندريس أيضاً أُصيبَ بجنون العظمة والغرور والاستبداد خلال السنوات التي حكم فيها لكنه على عكس سابقه فقد نجح أردوغان في التخلص من كل الجهود لإزاحته.
لقد ثابر أردوغان على جعل الفصائل متناحرة ضد بعضها البعض حتى الوصول لمرحلة تهميشها أو تحييدها، وعندما أُلغي مكتب رئيس الوزراء عام 2018 وحلت مكانه رئاسة تنفيذية جديدة حكم أردوغان بلا ضوابط على سلطته، وبصفته رجلاً قوياً منتخبًا فإنه يمارس سلطة أكثر من أي زعيم منذ أتاتورك.
ومع ذلك لا يزال أردوغان مقيدًا من جهة مهمة وهي أنه لا يمكنه الاستغناء عن انتخابات تنافسية، في حين لم يكن مصطفى كمال أتاتورك بحاجة لخوض المنافسة بل استُمدتْ شرعيته من الانتصار في جاليبولي في الحرب العالمية الأولى وانتصاره في حرب الاستقلال التركية وأيضاً من المكانة الهائلة التي نالها باعتباره الأب المؤسس للأمة،
وإن كان ليس لأردوغان مثل هذه الامتيازات فإن شرعيته حتى في نظر مؤيديه الذين يثنون عليه باعتباره الصورة الرمزية لإرادتهم الجماعية تنبع من النصر في صندوق الاقتراع.
إن إعادة الانتخاب في عام الذكرى المئوية للجمهورية في ذكرى الإطاحة بالحزب المؤسس (وضد زعيمها الحالي كمال كيليجدار أوغلو) يهدف إلى الإشارة إلى نهاية الحقبة الكمالية وإقرار مكانة أردوغان كأب لنظام الحكم الجديد.
هناك مشكلة واحدة فقط من وجهة نظر أردوغان الذي يبدو أنه قد يخسر، وعلى الرغم من أنه أساء استغلال منصبه بشكل فاضح من خلال إملاء التغطية الإعلامية وتغيير القوانين الانتخابية وسجن نقاده ودحض ادعاءات خصمه المحتمل والأقوى بشكل استباقي ونشر موارد الدولة لكسب الدعم إلا أنه يتخلف عنه في معظم استطلاعات الرأي وهناك تساؤلات حول دقة الاستطلاعات لكنها في المجمل تؤدي إلى نتيجة لا مفر منها وهي أن فوز أردوغان بعيد كل البعد عن التأكيد وهذا بحد ذاته أمر غير مسبوق. على الرغم من تعثر داعميه ومواقفه في بعض الأحيان فإن أردوغان نفسه لم يقترب من خسارة الانتخابات منذ غزواته الأولى في السياسة في التسعينيات.